هذه المسألة اختلف فيها العلماء على ثلاثة أقوال: القول الأول: قول الجمهور ومنهم المالكية والشافعية والحنابلة والأحناف: على أنه لا يجزئ رضاع الكبير؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:(يحرم من الرضاع ما أنشز العظم وأنبت اللحم).
وقال:(إنما الرضاع من المجاعة).
ومن الأدلة أيضاً: أنه لا يكون إلا بالحولين، قال صلى الله عليه وسلم:(الرضاع بالحولين).
فهذه أدلة صريحة على أن الرضاع لا يحرم إلا إذا كان طفلاً رضيعاً لم يبلغ الحولين.
القول الثاني: قول الظاهرية: أن رضاع الكبير يحرم على الإطلاق.
واستدلوا بحديث واضح جداً في الدلالة وهو حديث سالم وهذا الحديث احتج به غير الظاهرية، وكانت عائشة رضي الله عنها تقول بهذا الحديث على الإطلاق، ولذلك كانت إذا أرادت أحداً أن يدخل عليها ليسألها تجعل أختاً من أخواتها ترضع الرجل فيرضع فيدخل عليها، فكانت عائشة تأخذ هذا القول بالإطلاق، وتقول: الكبير إذا رضع خمس رضعات يحرم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:(خمس رضعات يحرمن) وأيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم لامرأة أبي حذيفة: (أرضعيه يحرم عليك).
والقول الثالث: التفصيل في ذلك، وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية حيث يرى أن واقعة سالم واقعة عين، والأصل العام أنه لا يمكن الرضاع أن يحرم إلا أن يكون من المجاعة حولين.
فنقول: وقائع الأعيان لا تعمم، لكن يقاس على ذلك مثلها في حالتها، فإذا كان الرجل يدخل على امرأة كثيراً وكان ذلك يوقع الحرج على المرأة، وهذه المرأة تريد أن تقطع الحرج على نفسها فنقول: أرضعيه ليحرم عليك ويكون ابنك من الرضاعة، فيدخل عليك متى شاء، بل ويجوز أن يقبل رأسك.
فالقول الراجح: رضاع الكبير واقعة عين لا تعمم، لكن يقاس عليها مثلها.