[الرد على أهل البدع القائلين بجواز اتخاذ الوسائط بكل مسمياتها بينهم وبين الله عز وجل]
قال رحمه الله تعالى: [فصل سمى الله آلهتهم التي عبدوها من دونه شفعاء كما سماها شركاء في غير موضع].
يريد الشيخ هنا أن يقرر قضية التبست على كثير من أهل البدع والأهواء والافتراق، وخاصة أصحاب التوسلات البدعية، ألا وهي أنهم زعموا أن هناك فرقاً بين عبادة من يقدّسونهم وبين جعلهم وساطة بينهم وبين الله، فجعلوا الوساطة جائزة، والعبادة المباشرة ممنوعة، فهو رحمه الله يريد أن يقرر أن مسألة اتخاذ الشفعاء من دون الله عز وجل بجميع الأسماء، سواء سمّيت وساطة أو سمّيت شفاعة أو سمّيت وجاهة أو سمّيت ولاية أو سمّيت بأي اسم من الأسماء، وما دام دخل فيها اتخاذ العبد من دون الله عز وجل وسيلة فهذه هي البدعة وهو المحرم، وقد يكون شركاً، وهذا هو الذي رده الله على طائفة المشركين قولهم فيه، وهم الذين قالوا: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:٣].
إذاً: الشرك الذي وقع فيه المشركون قديماً وحديثاً على نوعين: منه شرك مباشر وهو عبادة غير الله عز وجل بقصد العبادة والتقديس والتعظيم.
والآخر وهو الملبس والذي وقع فيه أكثر الذين وقعوا في الشرك من هذه الأمة، وهو: اتخاذ الوسائط من دون الله، سواء من الأولياء الأحياء أو الأموات، أو الأشخاص أو الأشجار أو الأحجار أو المشاهد أو العباد، فكل هذه الوسائل أو الوسائط سواء كان على سبيل التقديس أو على سبيل التوسط أو على سبيل التبرك البدعي أو نحو ذلك، فكله يدخل في الوسائط الممنوعة، وأغلبها من الصور الشركية، وقد يكون من الصور البدعية المغلّظة.
واتخاذ الشفعاء بزعم أنهم ليسوا هم المعبودين من دون الله غير صحيح؛ لأنهم في الحقيقة قد وجهوا لهم العبادة من حيث ظنوا أنهم سيشفعون لهم عند الله عز وجل، والشفاعة كما هو معلوم لا تجوز إلا بشروطها وضوابطها، وليست على نحو ما يفعله أهل البدعة، وليس في الدنيا الآن شفاعة تدخل في باب الشفاعة في الآخرة أو تكون وسيلة أو ممهدة للشفاعة في الآخرة، وإنما الشفاعة لا تأتي إلا في وقتها، أي: يوم القيامة.
فإذاً: كل ما سموه شفاعة أو وساطة أو غيره إنما هو نوع من الشرك.
قال رحمه الله تعالى: [سمى الله آلهتهم التي عبدوها من دونه شفعاء، كما سماها شركاء في غير موضع، فقال في يونس: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [يونس:١٨]، وقال: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلا يَعْقِلُونَ * قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} [الزمر:٤٣ - ٤٤]، {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ} [الروم:١٢ - ١٣].
وجمع بين الشرك والشفاعة في قوله: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ * وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} [سبأ:٢٢ - ٢٣].
فهذه الأربعة هي التي يمكن أن يكون لهم بها تعلق: الأول: ملك شيء ولو قل.
الثاني: شركهم في شيء من الملك، فلا ملك ولا شركة ولا معاونة يصير بها نداً، فإذا انتفت الثلاثة بقيت الشفاعة فعلقها بالمشيئة.
وقال: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا} [النجم:٢٦]، وقال: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلا تَحْوِيلًا} [الإسراء:٥٦]، وقال في اتخاذهم قرباناً: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:٣]، وقال: {فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [الأحقاف:٢٨]].
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.