للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حكم الدعاء للآخرين أو طلبه منهم]

قال رحمه الله تعالى: [والدعاء مشروع أن يدعو الأعلى للأدنى والأدنى للأعلى، فطلب الشفاعة والدعاء من الأنبياء كما كان المسلمون يستشفعون بالنبي صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء، ويطلبون منه الدعاء، بل وكذلك بعده استسقى عمر والمسلمون بـ العباس عمه رضي الله عنه، والناس يطلبون الشفاعة يوم القيامة من الأنبياء، ومحمد صلى الله عليه وسلم وهو سيد الشفعاء، وله شفاعات يختص بها، ومع هذا فقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي، فإنه من صلى علي مرة صلى الله عليه عشراً، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها درجة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون ذلك العبد، فمن سأل الله لي الوسيلة حلت عليه شفاعتي يوم القيامة)، وقد (قال لـ عمر: لما أراد أن يعتمر وودعه: يا أخي! لا تنسني من دعائك)].

هذا الحديث ضعيف، لكن مع ذلك معنى الحديث له شواهد كثيرة من نصوص الشرع ومن أعمال النبي صلى الله عليه وسلم ومن أعمال السلف، وطلب الدعاء من الغير دون اعتداء ودون توكل أو اتكال على هذا الدعاء أمر مشروع لا حرج فيه، لكن قد يحرم حيناً، وقد يكره حيناً، وقد يجوز حيناً، وقد يستحب أحياناً، فإذا وجدت المبررات لطلب الدعاء من الغير، كأن يكون عند الإنسان مرض، أو نزل به ضر، أو كان في مكان فاضل، أو في زمان فاضل، فهذا من الأمور التي يشرع فيها، بل وربما يستحب في حالات نادرة، لكن يبقى الأصل فيه المشروعية، لكن إن فعل الإنسان هذا الأمر على سبيل الدوام، كما يفعل بعض جهلة المتصوفة عندما يلقى أي مسلم يطلب منه أن يدعو له، حتى يكاد يتكل على دعاء الناس، ويكون همه كلما التقى بإنسان يقول له: ادع الله لي، حتى صار دائماً يتطلع إلى نتيجة دعاء الناس، ويضعف توكله على الله، فهذا قد يحرم أحياناً، بل قد يكون بدعة إذا داوم عليه الإنسان وصار من سماته.

ولذا عندما ننظر إلى حال السلف نجد أنهم كانوا يفعلون ذلك، لكن في حالات نادرة لها مبرراتها وموجباتها، والإنسان ينبغي أن يكون دائم التوكل والاعتماد على الله عز وجل، ولا يكون بينه وبين الله وسائط، ولا يطلب من الغير العون، والباب بينه وبين ربه مفتوح دائماً، والله عز وجل يسخط على عبده إذا لم يدعه، وعلى هذا لا ينبغي أن يكون هذا الأمر على سبيل المداومة، وإنما لا بد أن يكون باعتدال وفي حدود الضرورة أو الحاجة، فيبقى مشروعاً بما ورد من الأدلة الشرعية، لأنه يخضع لقاعدة أخرى، وسيأتي أيضاً التمييز بين هذا النوع والأنواع الأخرى من الشفاعات، هذا داخل في معنى الشفاعة الجائزة.

<<  <  ج: ص:  >  >>