[من مميزات هذه الأمة بعث الله لمحمد صلى الله عليه وسلم بالكتاب والسنة وجعلهما طريق النجاة والسعادة]
قال رحمه الله: [فحق على كل أحد بذل جهده واستطاعته في معرفة ما جاء به وطاعته؛ إذ هذا طريق النجاة من العذاب الأليم والسعادة في دار النعيم، والطريق إلى ذلك الرواية والنقل، إذ لا يكفي من ذلك مجرد العقل، بل كما أن نور العين لا يرى إلا مع ظهور نور قدامه، فكذلك نور العقل لا يهتدي إلا إذا طلعت عليه شمس الرسالة، فلهذا كان تبليغ الدين من أعظم فرائض الإسلام، وكان معرفة ما أمر الله به رسوله واجباً على جميع الأنام.
والله سبحانه بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالكتاب والسنة، وبهما أتم على أمته المنة، قال تعالى: {وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ * فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ} [البقرة:١٥٠ - ١٥٢].
وقال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [آل عمران:١٦٤].
وقال تعالى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ} [البقرة:٢٣١].
وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [الجمعة:٢].
وقال تعالى عن الخليل عليه السلام: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ} [البقرة:١٢٩].
وقال تعالى: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب:٣٤]، وقد قال غير واحد من العلماء: منهم يحيى بن أبي كثير وقتادة والشافعي وغيرهم: الحكمة هي السنة؛ لأن الله أمر أزواج نبيه أن يذكرن ما يتلى في بيوتهن من الكتاب والحكمة، والكتاب: القرآن، وما سوى ذلك مما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتلوه هو السنة.
وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من عدة أوجه من حديث أبي رافع وأبي ثعلبة وغيرهما رضي الله عنهم أنه قال: (لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول: بيننا وبينكم القرآن، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه).
وفي رواية: (ألا وإنه مثل الكتاب)].
في هذا الحديث إخبار عما سيقع من بعض الطوائف في هذه الأمة، وتحذير النبي صلى الله عليه وسلم من أناس يأتون من بعده يقولون مثل هذا القول، وهذا التحذير منه عليه الصلاة والسلام في معرض الإخبار وفي معرض التحديث في وقت واحد؛ لأننا نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم قد حذر من أشياء كثيرة وقعت في طوائف من هذه الأمة، ولم يبق سالماً مما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم من الأهواء إلا أهل السنة والجماعة، فقد نجد أن أكثر فرق أهل الأهواء لها نصيب مما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث، فمنهم من أنكر السنة جملة وادعى أنه يكفي العمل بالقرآن، وهؤلاء طوائف من أوائل الخوارج، وكذلك المعتزلة والجهمية يردون السنة كلها أو بعضاً منها، ثم بقيت فرق أهل الكلام: الأشاعرة والماتريدية وغيرهم يأخذون من السنة ما يحلو لهم ويردون ما لا يحلو لهم، ثم إنه في الآونة الأخيرة ظهرت طوائف في كثير من بلاد المسلمين يسمون بالقرآنيين، وأصبح لهم الآن مناهج وكتب ومؤلفات وأتباع، ويكثرون في الهند وباكستان، ومنهم طوائف قليلة في مصر، فقد سموا أنفسهم أو سماهم الناس بالقرآنيين وهم ليسوا بقرآنيين، لكن هذه التسمية جاءت من باب الوصف لبعض مذهبهم؛ لأنهم زعموا أنه يكفي الناس العمل بالقرآن، وهكذا تجد مجموع الفرق أو جملتهم منهم من أنكر السنة بالكلية كالرافضة، ومنهم من أنكر أكثر السنة كبعض طوائف الخوارج، ومنهم من أنكر أيضاً كل ما يخالف أصوله وقواعده كالمعتزلة، بل من المعتزلة من أنكر السنة في الجملة وقال: لا يوثق بها! ومنهم من لم يجرؤ على إنكار السنة لكنه طعن فيها، بمعنى: أنه زعم أن السنة ظنية، وهذا مذهب الرازي وأبي المعالي الجويني قبل أن يرجع عن هذا المذهب، وهو مذهب متأخرة الأشاعرة؛ لأنهم زعموا أن ليس في السنة يقين إلا المتواتر وهو قليل، وله شروط ثقيلة وعسيرة، وأيضاً فقد يثبتونه سنداً ويردون أو يؤولون أو يشككون العمل بها، وأما خبر ال