للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أمور تتعلق بالأسباب ينبغي معرفتها]

قال رحمه الله تعالى: [لكن ينبغي أن يعرف في الأسباب ثلاثة أمور: أحدها: أن السبب المعين لا يستقل بالمطلوب].

قوله: (لا يستقل بالمطلوب) بمعنى: أنه لابد من وجود عوامل أخرى في فعل السبب، أو في أن يؤدي السبب ثمرته، وهذه العوامل توفيق الله عز وجل، ووجود الشروط التي جعلها الله عز وجل شروطاً كونية أو شرعية، وكذلك انتفاء الموانع، فهناك موانع كونية وموانع شرعية، فوجود الأسباب أو بذل الأسباب لا يتحتم معه وجود المسبب كذلك إلا بتوفيق الله، قد يهيئ الله عز وجل الأسباب بأن يهيئ الله نفي الموانع.

إذاً: السبب المعلوم ليس بذاته دليلاً على وجود المسبب، فالإنسان قد يبذل السبب -مثلاً- فيما يتعلق بالدين بأن يعمل طاعة يقصد بها التسبب في رضا الله عز وجل وحصول الجنة، لكن إذا لم يوفقك الله للإخلاص لم ينفع سببه، وهكذا إذا ما انتفت الموانع له ووجدت المعاصي الماحقة للحسنات، كذلك بذل السبب في أمور الدنيا وفي الأسباب الدنيوية، إنسان قد يبذل سبباً في استنبات الزرع لكن إذا لم يوفق الله عز وجل ويهيئ أسباباً حتى أخرى لا يعلمها العبد قد لا ينبت زرعه، وقد توجد موانع من الوجود، أحياناً تكون ذنوب العباد سبباً لعدم نجاح الأسباب المادية.

فإذاً: السبب المعين لا يستقل بالمطلوب إلا بتوفيق الله عز وجل، وبوجود الشروط وانتفاء الموانع.

قال رحمه الله تعالى: [أحدها: أن السبب المعين لا يستقل بالمطلوب، بل لابد له من أسباب أخر، ومع هذا فلها موانع، فإن لم يكمل الله الأسباب ويدفع الموانع لم يحصل المقصود، وهو سبحانه ما شاء كان وإن لم يشأ الناس، وما شاء الناس لا يكون إلا أن يشاء الله.

الثاني: أن لا يجوز أن يعتقد أن الشيء سبب إلا بعلم، فمن أثبت شيئاً سبباً بلا علم أو يخالف الشرع كان مبطلاً، مثل من يظن أن النذر سبب في دفع البلاء وحصول النعماء].

كأن الشيخ يشير إلى مسألة أن طلب الدعاء من الغير الذي استشهد به أهل البدع على أنه شاهد على وجود الاستشفاع الممنوع، يقول له هنا: إنه سبب شرعي جاء بعلم عن النبي صلى الله عليه وسلم، فنحن حينما نقول: إن طلب الدعاء من غير كلل، فلأنه ورد الشرع بذلك، فمن أثبت شيئاً غير هذه الصورة، أي: سبباً بلا علم أو يخالف الشرع كان مبطلاً؛ لأنه لن يأتي بدليل.

وأمور العبادات والعقائد كما هو معلوم لا يصلح فيها القياس بالإطلاق، بل إن صح القياس بطل الدين؛ لأنها أمور توقيفية وغيبية، فلا يصح فيها القياس أبداً.

قال رحمه الله تعالى: [وقد ثبت في الصحيحين (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن النذر، وقال: إنه لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل).

الثالث: أن الأعمال الدينية لا يجوز أن يتخذ منها شيء سبباً إلا أن تكون مشروعة، فإن العبادات مبناها على التوقيف، فلا يجوز للإنسان أن يشرك بالله فيدعو غيره -وإن ظن أن ذلك سبب في حصول بعض أغراضه- وكذلك لا يعبد الله بالبدع المخالفة للشريعة -وإن ظن ذلك- فإن الشياطين قد تعين الإنسان على بعض مقاصده إذا أشرك، وقد يحصل بالكفر والفسوق والعصيان بعض أغراض الإنسان، فلا يحل له ذلك، إذ المفسدة الحاصلة بذلك أعظم من المصلحة الحاصلة به، إذ الرسول صلى الله عليه وسلم بعث بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، فما أمر الله به فمصلحته راجحة، وما نهى عنه فمفسدته راجحة، وهذه الجمل لها بسط لا تحتمله هذه الورقة، والله أعلم].

<<  <  ج: ص:  >  >>