[حكم التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم]
قال رحمه الله تعالى: [وسئل شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: هل يجوز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم أم لا؟ فأجاب: الحمد لله، أما التوسل بالإيمان به، ومحبته وطاعته، والصلاة والسلام عليه، وبدعائه وشفاعته ونحو ذلك مما هو من أفعاله، وأفعال العباد المأمور بها في حقه، فهو مشروع باتفاق المسلمين، وكان الصحابة رضي الله عنهم يتوسلون به في حياته، وتوسلوا بعد موته بـ العباس عمه رضي الله عنه، كما كانوا يتوسلون به].
هذا المعنى الذي أشار إليه الشيخ هو الدين الذي أراده الله لعباده، يعني: بمعنى التوسل الذي هو التقرب إلى الله عز وجل بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، أو التعبد لله بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم هو الغاية من عبادة الله عز وجل، وهو الغاية مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو الدين الذي ارتضاه الله لعباده، لكن في تسميته بـ (التوسل) فيه لبس، وهذا التقسيم جيد، بأن يقال: إن قصد بالتوسل العبادة لله بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، أو التعبد لله بحب النبي صلى الله عليه وسلم وطاعته واتباعه والتقرب إلى الله بالإيمان به ومحبته وطاعته فهذا لاشك أنه هدد؛ لأنه لا يمكن عبادة الله إلا من خلال هذه المعاني العظيمة.
فإذاً: التوسل على هذا المعنى هو الدين الذي جاء به المرسلون.
قال رحمه الله تعالى: [وأما قول القائل: اللهم إني أتوسل إليك به، فللعلماء فيه قولان، كما لهم في الحلف به قولان، وجمهور الأئمة -كـ مالك والشافعي وأبي حنيفة - على أنه لا يسوغ الحلف بغيره من الأنبياء والملائكة].
وهناك تعليق في طبعة أخرى قال: هكذا ورد في المطبوع، ولعل الصواب: لا يسوغ الحلف به ولا بغيره، بزيادة كلمة (به)، فيمكن ذلك، لكن بعضهم استثنى النبي صلى الله عليه وسلم، وستأتي في الرواية الثانية، وعلى هذا تكون العبارة ربما يقصد بها الإشارة إلى الاستثناء، لكن -كما ذكرنا- فقد أوردها له شيخ الإسلام من الرواية الثانية توضح عنده المقصود.
قال رحمه الله تعالى: [فللعلماء فيه قولان، كما لهم في الحلف به قولان، وجمهور الأئمة -كـ مالك والشافعي وأبي حنيفة - على أنه لا يسوغ الحلف بغيره من الأنبياء والملائكة، ولا تنعقد اليمين بذلك باتفاق العلماء، وهذا إحدى الروايتين عن أحمد، والرواية الأخرى تنعقد اليمين به خاصة دون غيره، ولذلك قال أحمد في منسكه الذي كتبه للمروذي صاحبه: إنه يتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم في دعائه، ولكن غير أحمد قال: إن هذا إقسام على الله به، ولا يقسم على الله بمخلوق، وأحمد في إحدى الروايتين قد جوز القسم به، فلذلك جوز التوسل به، ولكن الرواية الأخرى عنه -هي قول جمهور العلماء- أنه لا يقسم به، فلا يقسم على الله به كسائر الملائكة والأنبياء، فإنا لا نعلم أحداً من السلف والأئمة قال: إنه يقسم به على الله، كما لم يقولوا: إنه يقسم بهم مطلقاً، ولهذا أفتى أبو محمد بن عبد السلام: أنه لا يقسم على الله بأحد من الملائكة والأنبياء وغيرهم، لكن ذكر له أنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث في الإقسام به فقال: إن صح الحديث كان خاصاً به، والحديث المذكور لا يدل على الإقسام به، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان حالفاً فليحلف بالله وإلا فليصمت)، وقال: (من حلف بغير الله فقد أشرك)، والدعاء عبادة، والعبادة مبناها على التوقيف والاتباع، لا على الهوى والابتداع، والله أعلم].
نقف عند هذا الحد، وكان المفترض أننا نفصل في هذه المسألة؛ لأن كلام الشيخ فيه إجمال، لكن الشيخ سيفصلها في الفصل القادم أو في الكتاب القادم، وذلك في كتاب (التوسل والوسيلة) أو قاعدة (التوسل والوسيلة).
والصفحة التالية سيبدأ الكتاب، وسيفصل الشيخ رحمه الله هذه المسائل تفصيلاً دقيقاً، ويذكر أمثلتها وأدلتها، والإشارة إلى الحديث المقصود به، وتفصيل قول العز بن عبد السلام الذي أشار إليه قبل ذلك بشكل معنصر مركب، وسيأتي إن شاء الله كما قلت: كتاب (التوسل والوسيلة)، ونتركه إلى حينه.
ونسأل الله التوفيق والسداد، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.