إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد.
فبعون الله وتوفيقه نستأنف دروسنا في الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقد وصلنا إلى موضوع الشفاعة، والحديث عن الشفاعة هو استكمال للحديث عن الاستغاثة والاستعانة، وكما تلاحظون أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في حديثه عن العبودية قد ركّز في هذه الفصول والتي تليها على أعظم وأكثر أنواع العبادة استعمالاً من العباد، وهي مسألة الاستعانة عموماً، والتي يتجزأ منها ويدخل فيها الاستغاثة، كما تدخل فيها أيضاً الشفاعة، والاستعانة بابها واسع تشمل جميع أنواع الدعاء التي فيها استعانة واستغاثة ونحو ذلك، بينما الاستغاثة جزء من الاستعانة، وكذلك الشفاعة هي جزء من الاستعانة.
وقد تكلم الشيخ في الفصلين السابقين عن موضوع الاستغاثة ومال إلى التفريق بين الاستغاثة وعموم الاستعانة، وذكر صوراً من الاستغاثة.
ولعلي أذكّر بخلاصة في موضوع الاستغاثة فأقول: إن الاستغاثة هي الاستعانة التي يصحبها شيء من الإلحاح، وطلب العون العاجل، وعلى هذا فهي أخص من عموم الاستعانة.
أما الشفاعة فلها لون آخر من الاستعانة، وهي اتخاذ الوسيط مع أصل للانتفاع بهذا الاتخاذ، والشفاعة قد تكون صحيحة وهي الشفاعة المثبتة بشروطها، وقد تكون غير صحيحة وهي الشفاعة المنفية، وهذا ما سيتحدث عنه شيخ الإسلام في هذا الفصل والذي يليه.