[المفهوم الصحيح والسليم للواسطة بين الله وبين خلقه]
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فبعون الله وتوفيقه نستأنف دروسنا، وقد وصلنا في الفتاوى إلى فقرة: جواب شيخ الإسلام على سؤال يتعلق بمفهوم الواسطة، وهذه المسألة في الحقيقة مهمة جداً؛ لأن فيها بياناً لوجوه الفرق بين الواسطة المشروعة والواسطة الممنوعة في عبادة الله عز وجل، وبيان مفهوم الواسطة أو الوسيلة التي اختلف فيها الناس، وذلك أن كثيراً ممن يقع في البدع في مسألة الوسيلة، والذين ابتدعوا وسائط ووسائل في عبادة الله عز وجل لم تُشرع، كثيراً منهم يكون من أسباب بدعته ووقوعه في الممنوع أنه لم يفهم المفهوم الشرعي للواسطة أو الوسيلة، وعلى هذا لم يميزوا بين الوسيلة المشروعة والوسيلة الممنوعة، والشيخ هنا أراد أن يبين الفرق بين الواسطة المشروعة وغير المشروعة، فالواسطة المشروعة بين الله وبين خلقه هو الذي يبلّغ عن الله عز وجل، وهذه الوساطة هي وساطة تبليغ فحسب، ولا يمكن أن ترتقي إلى أن يصرف لها أي نوع من أنواع العبادة، وكون النبي واسطة بين الله وبين الخلق، يعني: أنه مبلّغ عن الله فحسب، ولا يعني هذا أنه قد امتاز بسبب هذا التبليغ أو هذا الاصطفاء بأي خصيصة من خصائص الألوهية التي تقتضي اتخاذه معبوداً، أو وسيطاً في العبادة بين الله والخلق، وإنما هو وسيط في التبليغ.
وأما الواسطة الممنوعة فهي الشريك الذي يتخذ مع الله، سواء كان هذا الشريك في العبادة أو وسيط فيما لم يشرعه الله عز وجل، كمن يتبرك به، لكنها وساطة أخف من وساطة العبادة، والمهم أن الشيخ سيبين في هذا الفصل المفهوم الصحيح للواسطة بين الله وبين الخلق، والمفهوم البدعي والشركي للواسطة.
قال رحمه الله:[سُئل شيخ الإسلام قدس الله روحه: عن رجلين تناظرا فقال أحدهما: لا بد لنا من واسطة بيننا وبين الله، فإنا لا نقدر أن نصل إليه بغير ذلك؟ فأجاب: الحمد لله رب العالمين، إن أراد بذلك أنه لا بد من واسطة تبلغنا أمر الله فهذا حق، فإن الخلق لا يعلمون ما يحبه الله ويرضاه، وما أمر به وما نهى عنه، وما أعده لأوليائه من كرامته وما وعد به أعداءه من عذابه، ولا يعرفون ما يستحقه الله تعالى من أسمائه الحسنى وصفاته العليا التي تعجز العقول عن معرفتها وأمثال ذلك إلا بالرسل، الذين أرسلهم الله إلى عباده].
إذاً: هذا هو المفهوم الصحيح والسليم للواسطة بين الله وبين الخلق، وهو ما يبعثه الله عز وجل ويصطفي من عباده من الأنبياء والرسل يبلغون رسالات الله، وما أمر به العباد من عبادته وطاعته، فحسب، مع أن هؤلاء في جانب التوجه إلى الله عز وجل ليس لهم أي دخل إلا أن يبلغونا كيف نعبد الله فقط، وهم بذواتهم ليسوا واسطة بين الله وبين الخلق.
قال رحمه الله تعالى: [فالمؤمنون بالرسل المتبعون لهم هم المهتدون الذين يقربهم لديه زلفى ويرفع درجاتهم، ويكرمهم في الدنيا والآخرة، وأما المخالفون للرسل فإنهم ملعونون، وهم عن ربهم ضالون محجوبون، قال تعالى:{يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[الأعراف:٣٥ - ٣٦]، وقال تعالى:{فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى}[طه:١٢٣ - ١٢٦]، قال ابن عباس رضي الله عنهما: تكفل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه ألا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة.