للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المسألة الأولى: الخلط في القدر المشترك سبب لضلال أغلب الفرق في توحيد الإلهية وما يستتبعه من توحيد الأسماء والصفات]

نبه الشيخ هنا على مسألتين من أهم المسائل: الأولى: أن أغلب هؤلاء الذين ضلوا في توحيد الإلهية وما يستتبعه من ضلال في توحيد الأسماء والصفات وغير ذلك، قد ضلوا من باب خلطهم في القدر المشترك، ويقصد بالقدر المشترك عدة أمور: أولها: أنهم قاسوا الخالق بالمخلوق، وبنوا على قياسهم اللوازم الفاسدة التي انبنت على تصورات الفلاسفة في الله عز وجل، وتصورات الجهمية والمعتزلة وأهل الكلام، يعني: أنهم أخذوا بالقدر المشترك بين الحق وبين الباطل، فأرادوا أن يوفّقوا بين الحق والباطل، فلفّقوا فصار الأمر ليس على وجه الحق الخالص الذي أراده الله عز وجل.

ثانيها: ما فعله كثير من الفلاسفة وخاصة ما يسمون بالفلاسفة الإسلاميين، ويبدو أن الشيخ أرادهم هنا، وأراد من تبعهم من المتصوفة وغيرهم الذين زعموا أنه يلزم التوفيق بين أصول الفلاسفة وبين الشريعة، فعملوا بالتلفيق الذي أخرجهم عن مقتضى الشريعة، ولم يجعلهم أيضاً مرضيين عند الفلاسفة، بل صاروا منافقين، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.

فالقدر المشترك إذاً يبدأ أولاً بالقدر المشترك في الجوانب الفلسفية والجوانب الإلهية والوجود وأنواع التوحيد، ثم القدر المشترك أيضاً فيما يتعلق بالشريعة وأفكار الفلاسفة وغير ذلك؛ لأنه قال: (الذي فيه مشابهة الصابئة أو النصارى أو اليهود)؛ لأن جميع أهل الأهواء -وهذه مسألة مهمة جداً أرجو التنبه لها- حينما أُعجبوا بما عليه الصابئة والمجوس واليهود والنصارى، أرادوا أن يبحثوا عن مثله في الإسلام، فوجدوا بعض المتشابهات اللفظية والمعنوية، فأرادوا أن ينسبوا ما في الإسلام إلى هذه الديانات، وينسبوا ما في هذه الديانات إلى الإسلام نفسه، وذلك كما حصل أخيراً في العصور المتأخرة عند بعض جهلة المسلمين الذين أرادوا أن يوفّقوا بين المذاهب المعاصرة وبين الإسلام، فأرادوا أن يكون الإسلام اشتراكياً، وأن يكون الإسلام قومياً، وأن يكون الإسلام وطنياً، وأن يكون الإسلام كذا وكذا، وكل هذا لجهلهم؛ لأنه لا يمكن التوفيق بين المبادئ الإنسانية الأممية الجاهلية وبين مبادئ الإسلام، وهذا هو نفسه الأسلوب الذي وقع من أهل الافتراق الأوائل ومن الجهمية والمعتزلة وأهل الكلام، والفلاسفة الذين جاءوا من بعدهم، وهو الخلط في القدر المشترك، بين ما يوجد عند أهل الحق من معانٍ وأصول ومناهج، وبين ما يوجد عند أهل الباطل من معانٍ وأصول ومناهج.

إذاً: القدر المشترك أحياناً يكون لفظياً، وأحياناً يكون بالالتباس، وأحياناً يكون جهلاً عند السامع وغيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>