للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حكم طلب الدعاء من الغير لمصلحة وغير مصلحة وبيان عدم علاقته بالشفاعة]

قال رحمه الله تعالى: [والمقصود هنا أن الله لم يأمر مخلوقاً أن يسأل مخلوقاً إلا ما كان مصلحة لذلك المخلوق، إما واجب أو مستحب، فإنه سبحانه لا يطلب من العبد إلا ذلك، فكيف يأمر غيره أن يطلب منه غير ذلك؟ بل قد حرم على العبد أن يسأل العبد ماله إلا عند الضرورة.

وإن كان قصده مصلحة المأمور].

قوله: (وإن كان قصده) تعقيب على عبارة سابقة في مسألة قصد الداعي، والشيخ رحمه الله قد صنف الدعاء في قصد الداعي إلى نوعين: الأول: إن كان قصد الداعي من طلب الدعاء مصلحة المأمور بالدعاء ومصلحة الآمر التي شرعها الله عز وجل، فهذا أمر مشروع.

والثاني: إن قصد طالب الدعاء مصلحته هو فقط -مصلحة عاجلة- دون اعتبار لما أمر الله به، ودون اعتبار أيضاً لانتفاع الداعي بدعائه لما له من الأجر، فإن هذا غير مشروع، وإن كان هذا قد يكون من الأمور التي أباحها الله إذا توافرت شروطها وانتفت موانعها.

والمهم أن قوله: (وإن كان قصده) يقصد طالب الدعاء في مسألة طلب دعاء الغير، والشيخ لا يزال يقرر أكثر ما يقرر هنا مسألة طلب دعاء الغير، والتي يرى الشيخ أنها من باب فعل الأسباب لا من باب الشفاعة التي أدخلها فيها أهل البدع كما سيأتي بعد قليل.

فقول الشيخ: (فمن قال لغيره: ادع لي، وقصد بذلك انتفاعهما جميعاً، كان هذا وأخوه متعاونين) وهذه الصورة مشروعة.

ثم قال هنا: (وإن كان قصده) أي: من طلب الدعاء مصلحة المأمور أو مصلحتهما، فهذا يثاب على ذلك، وإن كان قصده بصورة ثابتة، وقد ذكر الشيخ رحمه الله عدة صور.

قال رحمه الله تعالى: [وإن كان قصده مصلحة المأمور أو مصلحته ومصلحة المأمور، فهذا يثاب على ذلك، وان كان قصده حصول مطلوبه من غير قصد منه لانتفاع المأمور، فهذا من نفسه أتي، ومثل هذا السؤال لا يأمر الله به قط، بل قد نهى عنه، إذ هذا سؤال محض للمخلوق من غير قصده لنفعه ولا لمصلحته، والله يأمرنا أن نعبده ونرغب إليه، ويأمرنا أن نحسن إلى عباده، وهذا لم يقصد لا هذا ولا هذا، فلم يقصد الرغبة إلى الله ودعائه وهو الصلاة، ولا قصد الإحسان إلى المخلوق الذي هو الزكاة].

يقصد بالصلاة هنا: معناها اللغوي العام، أي: بمعنى: الدعاء، وكذلك الزكاة، فيقصد معناها اللغوي العام، أي: بمعنى النماء والطهارة، ولا يقصد بالصلاة أو الزكاة التي هي ركن الإسلام، وإنما يقصد المعنى العام والنفع العام، فالصلاة هي ما بين الإنسان وبين ربه عز وجل، والزكاة هي ما ينفع به الإنسان غيره.

وقوله: (فهذا من نفسه أتي) قصده: أن الإنسان أتي حينما لم ينو نفع الغير، ولم ينو وجه الله عز وجل عند طلب الدعاء من الغير، فهذا أتي من قبل نفسه، حيث لم يحسن النية، ولو أحسن النية والقصد أجر على طلبه الدعاء من الغير إذا توافرت الشروط.

والإنسان إذا طلب من غيره أن يدعو له بالقدر الذي أمر الله به، دون أن يتجاوز أو يتعدى في طلبه، وقصده بذلك فعل السبب الذي أمر الله به، وأحسن نيته بأن ينفعه الله عز وجل وينفع هذا العبد التائب، وقع المقصود والمشروع وكان على المشروع، وإن طلب نفع الغير أو دعاء الغير دون أن يكون عنده نية حسنة، لا في ثقته بالله عز وجل ولا في انتفاع الداعي، فإن هذا أتي من قبل نفسه، حيث كان قصده محصوراً على النفع الدنيوي، أو على انتفاعه هو دون غيره.

قال رحمه الله تعالى: [وإن كان العبد قد لا يأثم بمثل هذا السؤال، لكن فرق ما بين ما يؤمر به العبد وما يؤذن له فيه، ألا ترى أنه قال في حديث السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب: (إنهم لا يسترقون)، وإن كان الاسترقاء جائزاً، وهذا قد بسطناه في غير هذا الموضع.

والمقصود هنا: أن من أثبت وسائط بين الله وبين خلقه، كالوسائط التي تكون بين الملوك والرعية فهو مشرك، بل هذا دين المشركين عباد الأوثان كانوا يقولون: إنها تماثيل الأنبياء والصالحين، وإنها وسائل يتقربون بها إلى الله، وهو من الشرك الذي أنكره الله على النصارى حيث قال: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة:٣١]، وقال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:١٨٦]، أي: فليستجيبوا لي إذا دعوتهم بالأمر والنهي، وليؤمنوا بي أن أجيب دعاءهم لي بالمسألة والتضرع.

وقال تعالى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشرح:٧ - ٨]، وقال تعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء:٦٧]، وقال تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَا

<<  <  ج: ص:  >  >>