[فصل في حديث: (ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم)]
قال رحمه الله تعالى: [فصل: قال صلى الله عليه وسلم فى الحديث المشهور في السنن من رواية فقيهي الصحابة عبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت رضي الله عنهما: (ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم جماعة المسلمين، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم)، وفى حديث أبي هريرة المحفوظ: (إن الله يرضى لكم ثلاثاً: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم)].
هذه الأمور من قواعد الدين العظمى التي قد تساهل فيها كثير من الناس، أو تساهلوا في تقريرها وفي العمل بها وربما في اعتقادها؛ لذا فإن كثيراً من الناس يجهل هذه المعاني، ويظنها من السنة أو من فروع الدين أو أنها من مناهج السلف التي قد لا تصلح لكل زمان إلى آخر ذلك من الظنون التي تخالف أصول الحق؛ وهذه القواعد مما أمر الله بها جميع المرسلين والأمم، ولا يمكن أن يستقيم للأمة دين، وأن تكون لها قوة، وأن تسلم من الأهواء والفرقة إلا بهذه الأصول الثلاثة: الإخلاص، والمناصحة لولاة الأمر، ولزوم جماعة المسلمين.
قال رحمه الله: [فقد جمع في هذه الأحاديث بين الخصال الثلاث: إخلاص العمل لله، ومناصحة أولي الأمر، ولزوم جماعة المسلمين، وهذه الثلاث تجمع أصول الدين وقواعده، وتجمع الحقوق التي لله ولعباده، وتنتظم مصالح الدنيا والآخرة.
وبيان ذلك أن الحقوق قسمان: حق لله، وحق لعباده، فحق الله أن نعبده ولا نشرك به شيئاً كما جاء لفظه في أحد الحديثين، وهذا معنى إخلاص العمل لله كما جاء في الحديث الآخر.
وحقوق العباد قسمان: خاص وعام، أما الخاص فمثل: بر كل إنسان والديه، وحق زوجته وجاره، فهذه من فروع الدين؛ لأن المكلف قد يخلو عن وجوبها عليه، ولأن مصلحتها خاصة فردية.
وأما الحقوق العامة فالناس نوعان: رعاة ورعية، فحقوق الرعاة مناصحتهم، وحقوق الرعية لزوم جماعتهم، فإن مصلحتهم لا تتم إلا باجتماعهم، وهم لا يجتمعون على ضلالة، بل مصلحة دينهم ودنياهم في اجتماعهم واعتصامهم بحبل الله جميعاً، فهذه الخصال تجمع أصول الدين.
وقد جاءت مفسرة في الحديث الذي رواه مسلم عن تميم الداري رضي الله عنه قال: قال رسول الله: (الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة، قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم).
فالنصيحة لله ولكتابه ولرسوله تدخل في حق الله وعبادته وحده لا شريك له، والنصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم هي مناصحة ولاة الأمر ولزوم جماعتهم، فإن لزوم جماعتهم هي نصيحتهم العامة، وأما النصيحة الخاصة لكل واحد واحد منهم بعينه، فهذه يمكن بعضها ويتعذر استيعابها على سبيل التعيين].
والمناصحة لعامة المسلمين تعني أن يحرص المسلم على أن ينشر الخير بينهم، وألا يكون ساعياً إلى إشاعة الذل بينهم، بل يحرص أو يهتم بما يصلح أحوال المسلمين بقدر ما يستطيعه؛ لأن من الصعب كما يقول الشيخ رحمه الله: أن يقوم بواجب النصيحة لكل فرد مسلم، لكن مقتضى النصيحة ما يمكن أن يصل نفعه لكل فرد وأنت جالس كالدعاء لعموم المسلمين، وكالاهتمام بشئونهم بالنصح لهم نصحاً عاماً يصل إلى أفرادهم ولو لم تعلمهم أو تدركهم، فقد تنفع المسلم في أقصى الدنيا بكلمة طيبة أو برسالة أو بكتاب تبعثه أو بشريط أو بدعاء، أو بنفع عام من المنافع العامة التي ربما تكون الوسائل متاحة لها الآن أكثر من أي زمن مضى، كان من الصعوبة في الماضي أن يستطيع المسلم أن ينفع مسلماً بينه وبينه الصحاري البعيدة والبحار والقفار، لكن الآن بحمد الله يستطيع كل مسلم أن ينفع عموم المسلمين بشتى الوسائل، وكما قلت: ولو لم يكن من ذلك إلا الدعاء لكان في ذلك خير كثير، مع أن فرص أعمال البر الكثيرة أتيحت الآن جداً، فمن هنا يستطيع المسلم أن يحقق معنى النصيحة لعامة المسلمين والاهتمام بشئونهم وبرعاية مصالحهم، وبأعمال البر ولا يحتقر منها شيئاً.
ونسأل الله للجميع التوفيق والسداد.