[الشهادتان أول واجبات الدين]
قال رحمه الله تعالى: [ولما كان أصل الدين الشهادتين، كانت هذه الأمة الشهداء ولها وصف الشهادة، والقسيسون لهم العبادة بلا شهادة].
لأن القسيسين عبدوا الله على جهل ولم يعبدوه بالاتباع، ونحن نعرف أن العبادة لا تتم إلا بالإخلاص والاتباع، لذا فقد يتوافر عند كثير من القسيسين والرهبان الإخلاص دون الاتباع، ولذلك لم تتوافر عندهم صفة الشهادة التي خصّت بها هذه الأمة؛ لأن هذه الأمة بحمد الله جمعت بين الأمرين: تحقيق العبودية والاتباع، والإخلاص والاتباع أيضاً.
قال رحمه الله تعالى: [ولهذا قالوا: {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران:٥٣]].
فطلبوا من ربهم إلحاقهم بالشاهدين في هذه الأمور، وهذا دليل على أنهم قبل ذلك لم تتوافر عندهم صفة الشهادة حتى آمنوا بالرسول صلى الله عليه وسلم، وعند ذلك اجتمع عندهم الإخلاص والاتباع، ولذلك لما دخل النصارى في هذا الدين طائعين مستسلمين، واجتمع عندهم الإخلاص والاتباع، طلبوا أن يُكتبوا مع الشاهدين وقد وعدهم الله بذلك.
قال رحمه الله تعالى: [ولهذا كان المحققون على أن الشهادتين أول واجبات الدين كما عليه خُلّص أهل السنة].
يشير الشيخ هنا إلى أن أهل السنة وسلف هذه الأمة في القرون الثلاثة الفاضلة يقولون: بأن أول واجبات الدين: الشهادتان، وهذه من بدهيات الأمور التي لم تكن تقرر أو تحتاج إلى تأكيد في القرون الثلاثة المفضلة، فالشهادتان بداية التوحيد تقريراً واعتقاداً وعملاً، وكان هذا هو الأصل، وعليه المسلمون جميعاً، عوامهم وعلماؤهم، حتى جاءت الفرق الكلامية من الجهمية والمعتزلة، ثم من ورثهم في الأصول الكلامية من الأشاعرة والماتريدية، فزعموا أن للتوحيد بدايات غير هذه البدايات، أو أصولاً غير هذه الأصول، فمنهم من زعم أن أول ما يجب على العبد من التوحيد هو النظر والتفكير، وهذا مذهب الفلاسفة، ثم انتقل إلى متكلمة الأشاعرة والماتريدية، حتى قالوا: بأن أول واجب على العبد النظر، ويقصدون بالنظر: أن يفكّر في هذا الكون من خالقه؟ من ربه؟ ثم هل مع الله إلهاً آخر أم لا؟ حتى يتحقق توحيد الربوبية، ثم يقفون عند هذه النهاية ولا يعوّلون على توحيد الإلهية! وهذا ابتلاء من الله عز وجل وعقوبة عاجلة نسأل الله العافية؛ لأنهم حينما علّقوا قلوب الناس بغير الله عز وجل أو بغير عبادة الله وقعوا فيما وقع فيه كثير من أهل البدع، بحيث لم يوفقوا للوصول إلى الحق؛ لأنهم ساروا على جادة وعرة قرروا فيها البدهيات التي يعرفها أبسط الناس، كوجود الله ووحدانيته في الربوبية، ولم يعرفوا هذا الأصل العظيم، أعني: أن أول مباني الدين هو شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتوحيد العبادة، ثم توحيد الربوبية والأسماء والصفات وغير ذلك.
والمهم أنه يشير بهذا إلى مذهب المتكلمين الذين قالوا: إن أول واجب على العباد، وأول أساسيات الدين، وأول مسائل التوحيد النظر أو القصد إلى النظر، بل بعضهم غلا في ذلك حتى قال: إن من لم يعرف ذلك فليس على التوحيد، مع أننا نعرف أن عامة المسلمين لم يفكروا في هذه الأمور؛ لأنها أمور مغروسة في الفطرة قد كفاهم الله إياها، وإنما أُمروا أن يعبدوا الله بما شرع.
قال رحمه الله تعالى: [وذكره منصور السمعاني والشيخ عبد القادر وغيرهما].
هنا يقصد بـ (عبد القادر): عبد القادر الجيلاني أو الجيلي كما يقول بعضهم.
قال رحمه الله تعالى: [وجعله أصل الشرك].
كلمة: (وجعله) يبدو لي أنها: (وجهله)؛ لأنه ربما يكون هناك خطأ مطبعي، وعليه فيكون المعنى: والجهل بهذا الأصل، أعني: الشهادتين، هو أصل الشرك.