قال رحمه الله تعالى: [الوجه الرابع: أن تعلق العبد بما سوى الله مضرة عليه، إذا أخذ منه القدر الزائد على حاجته في عبادة الله، فإنه إن نال من الطعام والشراب فوق حاجته ضره وأهلكه، وكذلك من النكاح واللباس، وإن أحب شيئاً حباً تاماً بحيث يخالله فلا بد أن يسأمه أو يفارقه، وفي الأثر المأثور:(أحبب ما شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك ملاقيه، وكن كما شئت فكما تدين تدان).
واعلم أن كل من أحب شيئاً لغير الله فلا بد أن يضره محبوبه، ويكون ذلك سبباً لعذابه، ولهذا كان الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله يمثل لأحدهم كنزه يوم القيامة شجاعاً أقرع يأخذ بلهزمته، يقول: أنا كنزك، أنا مالك.
وكذلك نظائر هذا في الحديث:(يقول الله يوم القيامة: يا ابن آدم، أليس عدلاً مني أن أولي كل رجل منكم ما كان يتولاه في الدنيا؟) وأصل التولي الحب، فكل من أحب شيئاً دون الله ولاه الله يوم القيامة ما تولاه، وأصلاه جهنم وساءت مصيراً، فمن أحب شيئاً لغير الله فالضرر حاصل له إن وجد أو فقد، فإن فقد عُذِّب بالفراق وتألم، وإن وجد فإنه يحصل له من الألم أكثر مما يحصل له من اللذة، وهذا أمر معلوم بالاعتبار والاستقراء، وكل من أحب شيئاً دون الله لغير الله فإن مضرته أكثر من منفعته، فصارت المخلوقات وبالاً عليه إلا ما كان لله وفي الله، فإنه كمال وجمال للعبد، وهذا معنى ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(الدنيا ملعونة ملعون ما فيها، إلا ذكر الله وما والاه) رواه الترمذي وغيره].