[خطبة شيخ الإسلام في أول الفتاوى تتضمن الحمد والثناء على الله عز وجل بما هو أهله]
قال شيخ الإسلام أحمد بن تيمية قدس الله روحه: [بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، العالم بما كان وما هو كائن وما سيكون، الذي إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون، الذي يخلق ما يشاء ويختار، ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون، وهو الله لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة، وله الحكم وإليه ترجعون، الذي دل على وحدانيته في إلهيته أجناس الآيات، وأبان علمه لخليقته ما فيها من إحكام المخلوقات، وأظهر قدرته على بريته ما أبدعه من أصناف المحدثات، وأرشد إلى فعله بسنته تنوع الأحوال المختلفات، وأهدى برحمته لعباده نعمه التي لا يحصيها إلا رب السماوات، وأعلم بحكمته البالغة دلائل حمده وثنائه الذي يستحقه من جميع الحالات، لا يحصي العباد ثناء عليه، بل هو كما أثنى على نفسه؛ لما له من الأسماء والصفات، وهو المنعوت بنعوت الكمال وصفات الجلال التي لا يماثله فيها شيء من الموجودات، وهو القدوس السلام المتنزه أن يماثله شيء في نعوت الكمال، أو يلحقه شيء من الآفات، فسبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً، الذي له ملك السماوات والأرض، ولم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك، وخلق كل شيء فقدره تقديراً.
أرسل الرسل مبشرين ومنذرين؛ لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، وكان الله عزيزاً حكيماً، مبشرين لمن أطاعهم بغاية المراد من كل ما تحبه النفوس وتراه نعيماً، ومنذرين لم عصاهم باللعن والإبعاد وأن يعذبوا عذاباً أليماً، وأمرهم بدعاء الخلق إلى عبادته وحده لا شريك له، مخلصين له الدين ولو كره المشركون، كما قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}[المؤمنون:٥١]، {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ}[المؤمنون:٥٢]، وجعل لكل منهم شرعة ومنهاجاً؛ ليستقيموا إليه ولا يبغوا عنه اعوجاجاً.
وختمهم بمحمد صلى الله عليه وسلم أفضل الأولين والآخرين، وصفوة رب العالمين، الشاهد البشير النذير الهادي السراج المنير، الذي أخرج به الناس من الظلمات إلى النور، وهداهم إلى صراط العزيز الحميد، الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض، وويل للكافرين من عذاب شديد، بعثه بأفضل المناهج والشرع، وأحبط به أصناف الكفر والبدع، وأنزل عليه أفضل الكتب والأنباء، وجعله مهيمناً على ما بين يديه من كتب السماء].