[المسألة الثانية: أول واجب على المكلف]
مسألة: أول واجب على المكلف هي مبنية على فطرية المعرفة، فأول واجب على المكلف بناءً على أن الإنسان مفطور هو توحيد العبادة، يعني: توحيد الألوهية: هو إفراد الله عز وجل بالعبادة، فهو أول واجب على المكلف؛ لأن إثبات وجود الله عز وجل متحقق في الفطرة، وأيضاً ربوبيته سبحانه ثابتة في الفطرة، فلا يبقى إلا إثبات إفراده سبحانه وتعالى بالألوهية والعبادة.
ويدل على ذلك كثير من النصوص، منها: قول الله عز وجل: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:١٩] فهذه الآية أول معلوم أمر به فيها هو توحيد العبادة، قال: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد:١٩] ولا إله إلا الله هي توحيد العبادة كما سيأتي معنا.
وأيضاً حديث معاذ بن جبل عندما قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله)، وفي لفظ: (إلى أن يوحدوا الله سبحانه وتعالى) فهنا على الأولية.
ومن الأدلة البليغة في هذا المجال آية الميثاق، وهي قول الله عز وجل: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [الأعراف:١٧٢].
فهذه الآ ية تسمى عند العلماء آية الميثاق، وقد اختلف المفسرون في معناها على قولين: القول الأول: أن هذا ميثاق حقيقي، وأن الله عز وجل مسح على ظهر آدم وأخرج ذريته أمثال الذر، وأنه خاطبهم بالمقال، وقال لهم: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} [الأعراف:١٧٢] فأجابوه وقالوا: {بَلَى شَهِدْنَا} [الأعراف:١٧٢] وأن الله عز وجل ردهم مرة أخرى إلى صلب آدم.
وذكروا مجموعة من الأحاديث تدل على هذا المعنى، لكن كل الأحاديث الواردة فيها ضعيفة ليست صحيحة.
القول الثاني: أن الآية ليست إشهاداً حقيقياً، وليس استنطاقاً حقيقياً، وإنما هو معنى الفطرة، فيكون المعنى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ} [الأعراف:١٧٢] يعني: أن الله عز وجل أخذ من ظهور ذرية بني آدم أنفسهم في التوالد، وأنه سبحانه وتعالى أشهدهم على أنفسهم، بمعنى فطرهم على التوحيد.
فالإنسان يستشعر أن الله عز وجل هو خالقه وربه، وهو سبحانه وتعالى المدبر لشأنه، وهذا ما رجحه شيخ الإسلام رحمه الله في درء التعارض، وأيضاً تلميذه ابن القيم، وإن كان جمهور المفسرين على القول الأول، لكن ابن القيم رحمه الله ناقش هذه المسألة في كتابه (الروح) نقاشاً مستفيضاً، وبين فيها أن الآية غير متطابقة مع الأحاديث، فالأحاديث تدل على أن الله عز وجل مسح ظهر آدم، بينما في الآية قال: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ} [الأعراف:١٧٢] لم يقل: آدم، فالآية غير متطابقة مع الحديث، ويبدو أن هذا هو القول الصحيح.
وعلى كل حال سواء على القول الأول أو القول الثاني فكلها تدل على أن وجود الله عز وجل أمر فطري وأنه ليس من أمور النظر والاستدلال، إلا في حالة فساد الفطرة، فإنه يكون النظر حينئذ بالنظر السليم والمستقيم.
في اللقاء القادم بإذن الله سنتحدث عن الكتب الثلاثة: (الأصول الثلاثة) و (كشف الشبهات) و (كتاب التوحيد)، وسنعرف بالمسائل الموجودة فيها، وأيضاً سنبتدئ في الحديث عن أقسام التوحيد وأنواعه وتعريفه، ونتحدث مباشرة عن المسائل الموجودة في هذه الكتب الثلاثة، أسأل الله عز وجل أن ينفعني وإياكم بالعلم النافع والعمل الصالح إنه على كل شيء قدير.