[استنباط الشيخ محمد بن عبد الوهاب للمسائل الأربع من سورة العصر]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والدليل قوله تعالى: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:١ - ٣]].
هذه السورة شاملة للمسائل الأربع.
قال تعالى: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر:١ - ٢] فبين تعالى أن جنس الإنسان في خسارة، ثم استثنى منه أوصافاً، فمن كانت فيه هذه الأوصاف فهو ناج من الخسارة، ومن لم تكن فيه فهو في خسارة.
قال تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} [العصر:٣] يعني: أن الإيمان لا يكون إلا بالعلم؛ لأن الإيمان هو اليقين، ولا يكون اليقين إلا بالعلم، فالعلم هو الذي يوصل إلى اليقين، لأن الجهل يوصل إلى الشك والريب ولا يوصل إلى اليقين.
فقوله: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} [العصر:٣] الإيمان يؤخذ منه المسألة الأولى: وهي مسألة العلم.
فالإيمان يكون بالتوحيد يعني: معرفة العبد لربه، ويكون بالنبوة، يعني: معرفة العبد لنبيه صلى الله عليه وسلم، ويكون الإيمان بالدين، يعني: معرفة العبد للإسلام بالأدلة.
وهذه المعرفة يجب أن تكون معرفة يقينية لا ريب فيها ولا شك، والمعرفة اليقينية بالتوحيد وبالعقيدة الصحيحة لا تكون إلا إذا اتبع الإنسان المنهج الصحيح في المعرفة، ويكون ذلك بالتدبر في آيات الله عز وجل الشرعية والعقلية أيضاً، كما سيأتي معنا.
فكثير من الناس تكون معرفتهم بالله أو توحيدهم أخذوه عن طريق التقليد، بمعنى أنه نشأ في بيئة مسلمة وأبواه مسلمان فأخذ الإسلام عنهما بشكل وراثي، ولهذا بمجرد أن تزعزع عقيدته يشك ويحصل عنده الريب.
وحياتنا الآن شاهد على ذلك، فكثير من الشباب عندما يشكك وعندما توضع له مجموعة من الأسئلة التي هي تشكيك له لا يجد لديه قوة على مواجهتها وعلى الرد عليها؛ لأن العقيدة التي في نفسه إنما جاءت عن طريق التقليد كما سبق أن أشرنا.
قوله: {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [العصر:٣] وهذا دليل على العمل بالعلم.
قوله: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ} [العصر:٣] وهذا دليل على الدعوة إليه.
فالتواصي تفاعل بين داعية ومدعو.
قوله: {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:٣] وهذا هو الصبر على الأذى فيه، ويدخل في هذا الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الأمور الأساسية في قيام الدين.
ثم قال: [قال الشافعي رحمه الله: لو ما أنزل الله حجة على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم].
ومقصود الشافعي رحمه الله: أن هذه السورة فيها بيان لأهم الأمور التي توصل الإنسان إلى النجاة والفلاح، وهي: العلم، والعمل، والدعوة، والصبر.
فهذه الأمور هي الموصلة إلى النجاة، وهي الموصلة إلى النجاة عند الله عز وجل وفي الدنيا.
والتواصي بالصبر يدل على أهمية الصبر.
والصبر ثلاثة أنواع: صبر على الطاعة.
وصبر عن المعصية.
وصبر على أقدار الله المؤلمة.
ولهذا جاء الأمر بالصبر في أكثر من تسعين آية في كتاب الله.
قال: [قال البخاري رحمه الله: باب العلم قبل القول والعمل، والدليل قوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:١٩] فبدأ بالعلم قبل القول والعمل].
هذا الكلام للبخاري رحمه الله موجود في الصحيح في كتاب العلم، فالقول لا يكون صحيحاً إلا بالعلم، والعمل لا يكون صحيحاً إلا بالعلم، ولهذا قدم العلم عليهما، فقال الله عز وجل: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد:١٩] فبدأ بالعلم، {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:١٩] يعني: جعل الاستغفار بعد العلم، وهذا يدل على أهمية العلم وأنه المعيار الذي يدل الإنسان على الحق ويوصله إليه بإذن الله تعالى.
هذه أربعة مسائل مهمة في حياة الإنسان، ينبغي عليه أن يجتهد في تطبيقها في نفسه.