[المسألة الرابعة: الصبر على الأذى فيه]
المسألة الرابعة: الصبر على الأذى فيه، يعني: الصبر على الأذى في التزام الإنسان بالإسلام، فإن الإنسان إذا التزم بالإسلام لا بد أن يحصل له الأذى من أعداء الإسلام من الكفار ومن المنافقين، ولهذا بين الله سبحانه وتعالى أن الإنسان لم يخلق في هذه الدنيا إلا للفتنة والابتلاء، فقال تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك:٢].
فمن معاني الابتلاء أنه يبتليه بالأعداء المعاندين والرافضين لهذا الدين، وهذا يقتضي في المقابل الصبر، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم عندما بدأ دعوته أوذي فصبر، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه: (إنه كان يؤتى بالرجل ممن كان قبلكم فيمشط بأمشاط الحديد ما بين عظمه ولحمه، لا يرده ذلك عن دينه شيئاً، وكان يؤتى بالرجل فيوضع المنشار على مفرق رأسه حتى يفصل قسمين، لا يرده ذلك عن دينه شيئاً).
وعندما نقرأ أخبار الأنبياء في القرآن نجد أنهم أوذوا من أتباعهم، فهذا إبراهيم عليه السلام ألقي في النار، وكلهم عندما جاءوا إلى قومهم كذبوا وأوذوا واتهموا، وكان النبي صلى الله عليه وسلم وهو من أشراف الناس يضع عليه بعض السفهاء سلى الجزور على رأسه.
فالإنسان عندما يلتزم التزاماً حقيقياً بالدين فمن الطبيعي أن يكون له معاند، وأن يكون له عدو، ولهذا يقول الله عز وجل: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا} [الفرقان:٣١].
فكل نبي يأتي بدعوة يكون له أعداء ويكون له خصوم، لأن هذا الدين عندما يأتي يأمر الناس بترك شهواتهم وترك ملذاتهم وترك رغباتهم وترك رئاساتهم، وأن يكونوا خاضعين لأمر الله سبحانه وتعالى، وهذا ما لا يريده أصحاب الرئاسات والملأ كما سماهم الله عز وجل في القرآن، وما لا يريده أصحاب الشهوات وأصحاب الأموال، هؤلاء لا يريدون ذلك، ولهذا يرفضون الالتزام بالدين.
وهذا موسى عليه السلام قاوم فرعون، وكان فرعون من الرافضين لرسالة موسى مع أنه يعلم أن ما جاء به موسى عليه السلام حق لا ريب فيه، {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا} [الإسراء:١٠٢].
وقال أيضاً عنهم: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل:١٤] يعني: كانوا يعرفون أنه على الحق، ولهذا قال في آخر أمره: {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ} [يونس:٩٠] لكن هذا لم يكن كافياً ولم يكن نافعاً.
جاء في سنن أبي داود في حديث العقبة: (بايع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه يوم العقبة وقال: أبايعكم على أن تعضكم السيوف)، وقد فهم سعد بن عبادة وغيره من الصحابة أن مبايعتهم للنبي صلى الله عليه وسلم تقتضي مخالفة الأمم، وتقتضي الجهاد، وتقتضي المواجهة للعدو، وتقتضي الموت، وتقتضي أموراً كثيرة جداً، ولهذا من الطبيعي أن الإنسان عندما يسلم أن يكون له أعداء وخصوم من الكفار والمنافقين، كما سيأتي بيان شيء من ذلك.