[شهادة أن لا إله إلا الله دليلها ومعناها]
فدليل الشهادة قوله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران:١٨]، فالشهادة أخذناها من قوله: (شهد)، والشهادة تأتي بمعنى الإعلام والإخبار والالتزام، والشاهد هو: الله سبحانه وتعالى والملائكة وأولو العلم، وأما المشهود عليه فهو التوحيد، وهو لا إله إلا الله، ومعنى لا إله إلا الله: لا معبود بحق إلا الله، وهي من جزأين لا إله: نافية لجميع ما يعبد من دون الله، إلا الله: مثبتة للعبادة لله وحده لا شريك له في عبادته.
وإعراب لا إله إلا الله: (لا) نافية للجنس عاملة عمل إن.
(إله) اسمها منصوب، وخبرها محذوف مقدر، والتقدير لا بد أن يكون مرتبطاً بالمعنى، فمعنى لا إله إلا الله، يعني: لا معبود بحق إلا الله، وقدرنا أن الخبر حق؛ لأنه يوجد آلهة معبودة من دون الله عز وجل بالباطل، وهذا واقع، فالمقصود بلا إله إلا اله يعني: لا معبود بحق إلا الله سبحانه وتعالى، ومن قدر من النحاة الخبر هنا بأنه موجود فقد أخطأ من حيث المعنى، ولم يخطئ من حيث الصنعة النحوية، فإنه ليس المقصود بهذه الكلمة لا إله إلا الله نفي وجود المعبودات؛ فإن هناك معبودات موجودة لكنها بالباطل وليست بالحق، لكن المقصود هنا نفي الآلهة المعبودة بالحق، فليس هناك إله حق إلا الله سبحانه وتعالى.
وإذا وزعنا الكلمة نجد أنها من أربع كلمات، (لا) كلمة وهي دالة على النفي، (إله) على وزن فعال، وفعال يأتي بمعنى مفعول وفاعل، فيأتي بمعنى مألوه وآله، والمقصود أن معناها جاءت على وزن مفعول، فلا إله إلا الله يعني: لا مألوه إلا الله، والإله والمألوه هو المعبود، وهذا معروف في لغة العرب، يقول رؤبة بن العجاج: لله در الغانيات المُدَّهِ سبحن واسترجعن من تألهي ومن حيث المعنى النفي يقتضي نفي الشرك والأنداد والأصنام، ونفي المعبودات، سواء كانت أشخاصاً أو عقائد أو أنظمة أو أفكاراً، أياً كان المألوه، فأحياناً قد يتعبد الإنسان لصنم، وأحياناً أخرى قد يتعبد لنظام، وقد يتعبد لمذهب، أو لشخص، أو لعقيدة، فكل من تعبد لله عز وجل فهو موحد، وكل من تعبد لغيره فهو مشرك أياً كان هذا الغير.
فقوله: لا إله نفي الآلهة بكل أنواعها وكل أشكالها، إلا الله إثبات التأله لله عز وجل وأنه حق خالص.
وعرفنا أن: لا إله إلا الله تدل على التوحيد من خلال الأساليب في لغة العرب والتي تدل على الاختصاص وتدل على الحصر وتدل على القصر، مثل: (إنما) قال تعالى: {أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [الكهف:١١٠]، (فإنما) تدل على الحصر في لغة العرب، ومن الأساليب: النفي والإثبات في وقت واحد، أو النفي والاستثناء، والنفي والاستثناء يدل على الاختصاص، فقوله: لا إله إلا الله، نفى الآلهة ثم استثنى، وهذا يدل على التوحيد، وعلى أن ما بعد إلا يجب أن يكون مختصاً بالمعنى الذي قبلها، والمعنى الذي قبل (إلا) هو التأله، فلا إله إلا الله يعني: لا معبود بحق إلا الله خاصاً وخالصاً لله سبحانه وتعالى.
وذكر هنا آيتين، كل آية منها جاءت بنفس دلالة معنى لا إله إلا الله، لكن بدون لفظها؛ ولهذا سنستخرج منهما الدلالة.
يقول المؤلف: [وتفسيرها الذي يوضحها قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ} [الزخرف:٢٦ - ٢٧]]، ثم قال: {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً} [الزخرف:٢٨]، قال المفسرون: الكلمة هنا معناها: لا إله إلا الله، {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ} [الزخرف:٢٨] يعني: في أبنائه وذريته، {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الزخرف:٢٨] يعني: لعلهم يرجعون إليها بعد تركهم الشرك.
إذا استخرجنا معنى لا إله إلا الله من هذه الآية، فنجد أنها في قول الله على لسان إبراهيم: {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ} [الزخرف:٢٦]؛ لأن البراءة تدل على النفي، فقوله: {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ} [الزخرف:٢٦] تقابل: لا إله، وقوله: {إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي} [الزخرف:٢٧] أي: خلقني، وهذه تقابل: إلا الله، فدلت الآية على معنى لا إله إلا الله من الناحية المعنوية، وليس من الناحية اللفظية؛ ولهذا قال: {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ} [الزخرف:٢٨].
الآية الثانية: هي آية آل عمران التي يقول الله عز وجل فيها: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ} [آل عمران:٦٤]، قال العلماء: الكلمة هنا معناها: لا إله إلا الله {تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُن