[الإيمان بالقدر خيره وشره]
قال: (وتؤمن بالقدر خيره وشره)، الإيمان بالقدر معناه الإيمان بأربع مراتب: المرتبة الأولى: الإيمان بأن الله سبحانه وتعالى علم كل شيء من أعمال العباد وأفعالهم إلى قيام الساعة.
المرتبة الثانية: أن الله عز وجل قد كتب ما علمه سبحانه وتعالى في اللوح المحفوظ.
المرتبة الثالثة: أن الله سبحانه وتعالى له المشيئة المطلقة، وأن مشيئة العبد مرتبطة بمشيئته سبحانه وتعالى.
المرتبة الرابعة: أن الله عز وجل خالق لأفعال العباد، فأفعالهم سواءً الأفعال الحسنة كالصلاة والصيام والحج والزكاة هي من خلق الله، أو الأفعال السيئة كالمعاصي والذنوب ونحو ذلك هي من أفعال الله سبحانه وتعالى، فالكل من أفعال الله؛ لأنها داخلة في ملكه؛ ولأن العبد من مخلوقات الله سبحانه وتعالى.
هذه الأربع هي مراتب الإيمان بالقدر.
الأول: أن يشهد أن الله عز وجل يعلم ما سيعمله الإنسان قبل عمله، فإن أنكر هذه المرتبة أو أنكر أن الله عز وجل يعلم الأحداث من العبد قبل وقوعها فهذا لا شك أنه كافر؛ لأن الآيات القرآنية التي فيها إثبات صفة العلم لله عز وجل أكثر من أن تحصى، وهي تدل دلالة قطعية على أن الله عز وجل عالم بأحوال الإنسان وغيره؛ لأنه كما قال: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:١٤] سبحانه وتعالى.
المرتبة الثانية: الإيمان بأن الله كتب هذه المقادير، وأن الله سبحانه وتعالى كتبها في اللوح المحفوظ عنده، والكتابة تنقسم إلى أكثر من قسم، فهناك كتابة عامة في اللوح المحفوظ، والتي كتب فيها مقادير كل شيء إلى قيام الساعة، وهذه كانت قبل أن يخلق الله السماوات والأرض بخمسين ألف سنة.
وهناك أنوع أخرى من الكتابة، مثل الكتابة العمرية بالنسبة للإنسان وذلك عندما يولد كما جاء في حديث ابن مسعود أنه يُرسل إليه ملك فيكتب عمله، ويكتب أجله، ويكتب رزقه، ويكتب شقي أم سعيد.
وهناك كتابة سنوية، وتكون هذه الكتابة السنوية في رمضان في ليلة القدر، وكتابة يومية لكن هذه الكتابات هي كتابات في صحف الملائكة الذين أمرهم الله سبحانه وتعالى بتطبيق ما أمر سبحانه وتعالى على أحوال العباد.
والإيمان بالقدر واجب، ولا يتعارض الإيمان بالقدر بكل أركانه الأربعة، فالإيمان بالمشيئة والخلق لا يتعارض مع اختيار الإنسان، فالإنسان يشعر في نفسه أنه قادر على الاختيار، لكن قدرته على الاختيار مرتبطة بمشيئة الله سبحانه وتعالى، وهو مخلوق من مخلوقات الله، فلا بد أن يكون اختياره مخلوقاً لله سبحانه وتعالى، وفي نفس الوقت هو مختار وليس مضطراً كما يشعر الإنسان من نفسه، وعلم الله عز وجل السابق الأزلي، وكتابته لأحوال العباد لا تتعارض مع اختيار الإنسان، الله عز وجل علمه لا يحده شيء، فقد وسع كل شيء علماً سبحانه وتعالى، وكتابته هي كتابة لعلمه، والإنسان قادر على الاختيار كما هو حاله؛ ولهذا الذين يحتجون بالقدر على فعل المعاصي احتجاجهم فاسد وباطل؛ لأن احتجاجه على فعل المعصية يخالف الشعور ويخالف الواقع الذي يشعر الإنسان فيه أنه قادر على الفعل وقادر على الترك، والذي يحتج بالقدر على المعاصي يخالفه عندما يكون الشأن في الرزق، فلا يترك العمل بحجة أن رزقه مكتوب وأن كل شيء سيأتيني إلى بيتي وهذا مما لا ينبغي اعتقاده ولهذا قال العلماء: لا يجوز الاحتجاج بالقدر على المعاصي، لكن يجوز الاحتجاج بالقدر على المصائب؛ لأن المصائب انتهت، لكن المعاصي قد يفعلها الإنسان ويستمر في فعلها ويحتج بالقدر عليها، وهذا احتجاج في غير مكانه، فالمصائب عندما تقع على الإنسان فإنه يحتج بقدر الله عز وجل؛ لأن ذلك يهون عليه وقع هذه المصيبة ويورثه في قلبه التوكل والرجوع إلى الله سبحانه وتعالى.