[الأصل الأول من الأصول الثلاثة: معرفة العبد ربه]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإذا قيل لك: ما الأصول الثلاثة التي يجب على الإنسان معرفتها؟ فقل: معرفة العبد ربه، ودينه، ونبيه محمداً صلى الله عليه وسلم].
لقد بينا أن مأخذ ذلك هو ما يسأل عنه الإنسان في قبره إذا مات.
قال: [فإذا قيل لك: من ربك؟ فقل: ربي الله الذي رباني وربى جميع العالمين بنعمته، وهو معبودي ليس لي معبود سواه.
والدليل قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:٢].
وكل ما سوى الله عالم، وأنا واحد من ذلك العالم].
يعني: معرفة العبد لربه هو الأساس في التوحيد، فالإنسان لا يمكن أن يكون موحداً إلا إذا عرف ربه.
ومعرفة العبد لربه كما سبق أن أشرنا هي أمر فطري خلقه الله عز وجل في نفس الإنسان، كما أخبر الله عز وجل بذلك: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم:٣٠] إلى آخر الآية.
وأيضاً حديث الفطرة المشهور حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (كل مولود يولد على الفطرة).
وجاء في بعض الألفاظ: (ما من مولود إلا ويولد على هذه الملة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه) إلى آخر الحديث.
فإذاً: معرفة الله أمر فطري، لكن مما يغذي الفطرة وينميها التأمل في آيات الله عز وجل الشرعية والكونية؛ ولهذا قال: [فإذا قيل: بم عرفت ربك؟ فقل: بآياته ومخلوقاته، ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر، ومن مخلوقاته السماوات السبع والأرضين السبع ومن فيهن وما بينهما، والدليل قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [فصلت:٣٧]].
يعني: التفكر في مخلوقات الله عز وجل يورث اليقين في النفس، ويزيد المعرفة بالله سبحانه وتعالى، والتدبر في مخلوقاته المتنوعة وفي آياته الشرعية كلها تنمي الإيمان في القلب، وتزيد هذه الفطرة نماءً وصحة.
قال: [وقوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف:٥٤]].
القرآن مليء بالأمر بالتفكر في ملكوت السماوات والأرض، وفي مخلوقات الله المتنوعة، والأمر أيضاً في تأمل آياته الشرعية، وأيضاً التأمل فيما أمر الله عز وجل به من الأحكام والواجبات الشرعية؛ فإن فيها ما يدل الإنسان على معرفة الله سبحانه وتعالى، ويزيد من إيمان العبد.