للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المسألة الأولى: الإيمان بالرسول وطاعته]

ثم ذكر ثلاث مسائل أخرى، قال: [اعلم رحمك الله أنه يجب على كل مسلم ومسلمة تعلم هذه الثلاث المسائل والعمل بهن: الأولى: أن الله خلقنا ورزقنا ولم يتركنا هملاً، بل أرسل إلينا رسولاً، فمن أطاعه دخل الجنة، ومن عصاه دخل النار، والدليل قوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا * فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا} [المزمل:١٥ - ١٦]].

يعني: المسألة الأولى: معرفة أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الطريق الموصل إلى الله سبحانه وتعالى، ويكون ذلك بطاعته، فالإنسان إذا حجب عن نفسه الإيمان بالرسول، أو حجب عن نفسه التلقي من الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فإنه لن يصل إلى الله سبحانه وتعالى.

هذه مقدمة بسيطة ومختصرة: أن الله خلقنا.

هذه ليس فيها إشكال، بل هي أمر فطري.

ورزقنا، وهذه لا شك فيها أيضاً، فإن الرزق بيد الله سبحانه وتعالى.

ولم يتركنا هملاً؛ لأن الله عز وجل الحكيم سبحانه وتعالى يتعالى أن يترك الناس هملاً دون أن يرسل إليهم رسولاً أو أن يطلب منهم عملاً؛ لأنه سبحانه لم يخلقنا في هذه الدنيا لنتمتع بالشهوات الموجودة دون أي رسالة، فهذا أمر في غاية الاستحالة، لا بد أن يكون لهذا المخلوق الإنساني هدف وغاية من وجوده.

هذا الإنسان الذي لديه عقل يفكر، ولديه قلب ولديه قدرة ولديه معرفة ولديه إمكانات هائلة، لا يمكن أن يتركه الله عز وجل كالبهائم ليس لها رسالة وليس لها هدف، وإنما هي تأكل وتشرب وتنكح دون هدف ومعنى، فهذا النوع الإنساني اختصه الله سبحانه وتعالى بأن جعله محلاً للعبادة، بأن جعله خليفة له في الأرض، بأن جعله مكاناً للأمر والنهي والتكليف.

ثم ترتب بعد ذلك عليه الجزاء يوم القيامة قال: (لم يخلقنا هملاً، بل أرسل إلينا رسولاً).

هذا الرسول هو الذي أرسله إلينا، والرسل الكرام يتلقون عن الله عز وجل، إذا قلنا: كيف نعرف أن هذا الرسول الذي هو منا فعلاً يتلقى عن الله الذي خلق السماوات والأرض؟ نقول: هناك علامات تدل على ذلك، وهي: دلائل النبوة، فعندما يأتي بالمعجزة وعندما يكون صادقاً في حياته كلها، وعندما يأتي بالأمور التي تدل على صدقه، فلماذا يكذب؟ ودلائل النبوة واسعة جداً، فقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن الله عز وجل إذا أرسل رسولاً، فإنه يعطيه من الآيات والبينات على ما يؤمن به الناس).

يعني: يعطيه من الآيات والبراهين والدلائل ما يكون كافياً للناس في تصديقه، إذا كانوا أهل حق وطلب للحق، لكن المجادل والمعاند فهذا ليس فيه حيلة.

إذاً: إذا كان الإنسان يريد الحق ويريد الوصول إليه، فإنه من خلال جمع دلائل النبوة حول النبي يكتشف أن هذا النبي فعلاً كلمه الله عز وجل وأرسله، وأن هذا الكتاب الذي جاء به هو من عند الله سبحانه وتعالى.

وهذه هي البوابة الأساسية في العقيدة، أن نعلم صدق الرسول صلى الله عليه وسلم، وصدقه لا شك فيه ولا ريب.

قد يقول قائل: ما هو الفرق بين معجزة النبي الصادق، وسحر الساحر الكاذب؟ نقول: هناك فرق جوهري بينهما، وقد سبق في اللقاء الماضي بيان هذه القضية.

فالنبي منذ أن نشأ وله صفة خاصة من الصدق والعفاف والطهر، ولم يأت بدعوة سابقة، وليس له إرث سابق من الملك يريد أن يصل إليه، وما يأمر به حق، فهو يأمر ببر الوالدين، ويأمر بصلة الأرحام وهناك كثير من الدلائل تدل على صدقه.

ثم المعجزة التي يأتي بها هي تغيير في حقائق الأشياء، مما يدل على أن الله عز وجل يغير حقائق الأشياء له تصديقاً له، فعندما جاء موسى عليه السلام وألقى العصا تحولت من عصا حقيقية إلى حية حقيقية مائة بالمائة، بينما عصي السحرة ما زالت عصياً، لكن سحروا أعين الناس واسترهبوهم، وجاءوا بسحر عظيم، ولهذا السحرة لا ينظرون إلى العصي على أنها حيات، وإنما ينظرون إليها على أنها عصي، لكن الناس يظنون أنها حيات.

ولهذا لما رأوا أن حية موسى انقلبت من عصا حقيقية إلى حية حقيقية، والتهمت عصيهم آمنوا مباشرة وهم أهل الصنعة وأهل المعرفة.

ثم إنهم لما آمنوا كان إيمانهم قوياً إلى درجة أنهم تحدوا فرعون، وهددهم فرعون بقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف فصبروا، هذا مما يدل على أنهم اقتنعوا قناعة كاملة أن هذا الرجل لا يتكلم من عنده، وإنما هو مرسل من الله سبحانه وتعالى الذي خلق السماوات والأرض.

إذاً: هذه المقدمة الأولى: وهي الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>