[الأمور التي تتضمنها معرفة الرسول صلى الله عليه وسلم]
معرفة الرسول صلى الله عليه وسلم تتضمن مجموعة من الأمور: الأمر الأول: معرفة رسالته، فيجب أن يعرف الإنسان رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه جاء بالتوحيد، وإفراد العبادة لله سبحانه وتعالى، والكفر بالطاغوت، وأن النبي صلى الله عليه وسلم جاء يعلم الناس، ويميز بين المسلم والكافر، والمؤمن والمنافق، والطائع والعاصي وهكذا.
الأمر الثاني: طاعته صلى الله عليه وسلم، وطاعته تكون في أمرين: بالتصديق عند الخبر، وتكون طاعته بالامتثال عند الأمر وذلك بالفعل، أو النهي وذلك بالترك؛ لأن مقتضى الأمر الفعل، ومقتضى النهي الترك، ومقتضى الخبر التصديق.
الأمر الثالث: اتباع سنته صلى الله عليه وسلم، فإن اتباع سنته من أعظم الأمور الواجبة وهي من حقوق النبي صلى الله عليه وسلم، وهي من مقتضيات معرفة الرسول وشهادة أن محمداً رسول الله، ولهذا يقول الله عز وجل:{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}[النساء:٦٥]، ويقول الله عز وجل:{وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا}[المائدة:٩٢]، ويقول سبحانه وتعالى:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[النور:٦٣]، ويقول سبحانه وتعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}[الحشر:٧]، والآيات الواردة في طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم كثيرة في القرآن.
إذاً من مقتضيات معرفة الرسول: الانقياد لسنته، وعلم الرسول صلى الله عليه وسلم توجيهاته وأقواله وأفعاله هي المعيار في معرفة الحق من الباطل، والصواب من الخطأ، والصحيح من الفاسد، فيجب أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم هو الموجه للإنسان، وهو الذي يسلك الطريق ونحن نتبعه، قال تعالى:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}[الأنعام:١٥٣]، وارتبط التفرق بالابتداع في الدين، فكلما ابتدع الإنسان في الدين زاد التفرق، والعياذ بالله.
الأمر الرابع من مستلزمات الإيمان بالرسول: معرفة دلائل نبوته، فإن معرفة دلائل النبوة لها أهمية كبيرة في الثقة بالنبي صلى الله عليه وسلم وبما يقوله عليه الصلاة والسلام، وهي من أعظم الأمور التي تساعد على تحقيق الثلاثة السابقة: على تحقيق معرفة الرسالة، وعلى تحقيق الطاعة، وعلى تحقيق اتباع السنة، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه دلائل نبوته حتى بعد استقرار الإيمان في قلوبهم وحتى بعد جهادهم، ففي يوم الخندق ظهرت فيه من دلائل النبوة الشيء الكثير، وبعد الخندق مع استقرار إيمان الصحابة ومع تربيته عليه الصلاة والسلام لهم، ومع إيمانهم الجازم بصدقه إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبين لهم دلائل نبوته بياناً كثيراً ومتعدداً لما في ذلك من غرس اليقين في النفس، وزيادة الإيمان في القلب، فعندما ضرب الحجر يوم الخندق وقال:(الله أكبر! فتحت فارس، وقال: فتحت اليمن، وإني أرى أبواب صنعاء)، وعندما دعاه جابر إلى الشاة ودعا أهل الخندق جميعاً وأكلوا جميعاً من هذه الشاة وبقي منها، وهذه ألوان متعددة من دلائل نبوة النبي صلى الله عليه وسلم مما يدل على أهميتها حتى بعد استقرار الإيمان في النفس.
الأمر الأخير من لوازم معرفة الرسول صلى الله عليه وسلم: معرفة سيرته، وهي من الأمور المهمة، ومن لوازم ذلك معرفة نسبه، ومعرفة بعثته، ومعرفته مكان البعثة، ومعرفة الهجرة، ومعرفة غزواته وأيامه، ومعرفة حياته، ومعرفته هديه، ولهذا ألف ابن القيم رحمه الله كتاباً عظيماً جمع فيه الفقه مع العقيدة مع السيرة العملية مع الأحكام مع الفوائد في السلوك والأخلاق، وكل هذه أخذها من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسماه زاد المعاد من هدي خير العباد، وبين فيه ماذا كان يعمل إذا استيقظ من نومه؟ وإذا صلى؟ وكيف يصلي؟ وإذا انتهى من صلاته ما يفعل؟ وكيف كان يتعامل مع أصحابه؟ وكيف كان يتعامل مع زوجاته ومع الناس من حوله؟ وإذا قاتل كيف كان يقاتل؟ وإذا عقد صلحاً كيف يعقده؟ وحياة النبي صلى الله عليه وسلم اليومية هي تشريع رباني يتعلم الإنسان منه الهدي والسمت والخلق والحكمة والعقيدة والفقه وكل الأمور المتعلقة بهذا الدين.
ولا بد أن نحدد ما هي المصادر الصحيحة التي نستخرج ونعرف من خلالها سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، فالمصدر الأول القرآن، فقد ذكر من أخبار النبي صلى الله عليه وسلم، وأيضاً كتب الحديث ومصنفات العلماء في الحديث فقد جعل البخاري في كتابه الصحيح أبواباً كثيرة، مثل كتاب المغازي، وكتاب المرتدين، وكتاب بدء الوحي وغيرها من الكتب، وهذه كلها تتحدث عن أيام النبي صلى الله عليه وسلم، و