ثم إن فرعون مصر الريان غضب على الساقي والخباز فحبسهما عند يوسف. فرأى كل منهما رؤيا وقصها على يوسف، وقد اقترحاهما ليختبرا يوسف، فعبر لهما يوسف كما قال الله تعالى في القرآن: (ودخلَ معهُ السِّجنَ فتيانِ قالض أحدهما إنِّي أراني ... ) فلما عبرهما لهما، فقالا له: عجباً منك تعبر لنا رؤيتين كاذبتين! فقال يوسف قوله تعالى: ( ... قضي الأمر الذي فيه تستفتيان) وبعد ثلاثة أيام رضي فرعون عن الساقي وأعاده، وصلب الخباز، ولبث يوسف في السجن بضع سنين، يعني سبع سنين، وقيل اثني عشر سنة بعدد الحروف التي قالها الساقي وهي قوله تعالى: ( ... اذكرني عند ربك ... ٩ ثم إن الريان رأى الرؤيا فتذكر الساقي يوسف فوصفه للريان فأرسل إليه فعبرها له، ثم أحضره وأعجبه حسنه فاصطفاه لنفسه.
ومات العزيز فجعل الريان يوسف مكانه، فأحسن يوسف عليه السلام السياسة، وجمع الأقوات في تلك السبع سنين، فلما جاءت أيام القحط إلى أرض كنعان، وباعت زليخا جميع ضياعها وصرفت جميع مالها وافتقرت، فجاءت تستطعم يوسف فعرفها، فردها إلى نزلها ورد عليها ضياعها وأموالها وأملاكها وأرسل إليها طعاماً كثيراً، ثم استأذن ربه في زواجها فأذن له فتزوجها يوسف ورد الله عليها حسنها وجمالها، ودخل عليها فوجدها عذراء، وولد منها ولدين، إفرائيم وميشا.
وذكر الرازي في تفسيره: قال وهب: إن فرعون يوسف هو فرعون موسى، وهذا غير صحيح، إذ كان بين دخول يوسف مصر وموسى أكثر من أربعمائة، وقال محمد بن إسحاق: هو غير فرعون موسى عليه السلام فإن فرعون يوسف اسمه الريان بن الوليد.
وذكر في كتاب "تاريخ الأنبياء والدول": قال ابن عبد الحكيم: اشتد الجوع بمصر فاشترى يوسف من أهل مصر الفضة والذهب بالطعام، ثم اشتروا بأغنامهم ومواشيهم حتى لم يبق لهم شيء في سنتين، وفي السنة الثالثة اشترى أرضهم كلها لفرعون.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: فوض الريان إلى يوسف تدبير الملك وهو ابن ثلاثين سنة، وقيل: أوحى الله إلى يوسف في الصغر كما أوحى إلى يحيى عليه السلام وألقي في الجب، وعمره سبع عشرة سنة، واجتمع مع أبيه وأمه وأخوته بعد انقضاء خمس عشرة سنة، وذلك سنة ثلاثة آلاف وستمائة وثلاث عشرة سنة من هبوط آدم عليه السلام وتوفيت زليخا في حياة يوسف عليه السلام ودفنت في مصر، ثم توفي يوسف ودفن في مصر نحو ثلاثمائة سنة، ثم حمل إلى بيت المقدس، وعاش مائة وعشرين سنة.
وقيل: إن يوسف عليه السلام لما ألقي في الحب دعا بهذا الدعاء وهو قوله: يا عدتي في شدتي، ويا مؤنسي في وحشتي، ويا راحم عبرتي، ويا كاشف كربتي، ويا مجيب دعوتي، ويا إلهي ويا إله آبائي: إبراهيم وإسحاق ويعقوب ارحم صغر سني وضعف ركني وقلة حيلتي يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
وذكر في "كشف الأسرار" قوله: لم قطعن أيديهن ولم تقطع زليخا يديها؟ قيل: لأن يوسف كان في منزلها، ولم تخف الفراق، وهن قطعن أيديهن للفراق، وقيل: لأنهن كن يغبن زليخا، وللبغي مصرع ويقال قطعن أيديهن لدهشتهن، والمدهوش لا يدرك وما يعقل.
وقال الكرماني في "العجائب" في قوله تعالى: (نحنُ نقصُّ عليكَ أحسنَ القصصِ) قيل: هي قصة يوسف لاشتمالها على حاسد ومحسود، ومالك ومملوك، وشاهد ومشهود، وعاشق ومعشوق، وحبس وإطلاق، وسجن وخلاص، وخصب وجدب وغيرها.
وقال في "خلاصة الإتقان": وقد صحح الحاكم النهي عن التعليم سورة يوسف للنساء، وعن الحسن: أن يوسف عليه السلام ألقي في الجب وهو ابن اثنتي عشرة سنة، ولقي أباه بعد الثمانين، وتوفي وله مائة وعشرون سنة، والله أعلم.
[٨]
رحمة
بنت أفرائيم بن يوسف عليه السلام بن يعقوب عليه السلام بن إبراهيم الخليل عليه السلام وهي زوجة أيوب عليه السلام بن موهب بن تاريخ بن روم بن العيص بن إسحاق عليه السلام بن إبراهيم الخليل عليه السلام وأم أيوب عليه السلام بنت لوط عليه السلام. وتزوج أيوب عليه السلام رحمة وله حشمة وأموال وبغل وبقر وغنم وخيل وبغال وحمير، وله خمسمائة فدان يتبعها خمسمائة عبد لكل عبد امرأة ولد. وبعثه الله رسولاً لما بلغ من العمر أربعين سنة إلى أهل البثنية من الجولان من بلاد دمشق والجابية.