وريحانه بنت عمرو: وهو شمعون مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي من المدخول بهن، وكانت قبله عند رجل من قريظة، وهي نضرية، وقيل: قريظة اصطفاها رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه وأعتقها وتزوجها صلى الله عليه وسلم فاختارت أن تكون رقيقة له، فكانت مع السراري، والصحيح الأول فتكون [تمام] الاثنتي عشرة التي دخل بهن، صلى الله عليه وسلم وماتت مرجعه من حجة الوداع في السنة العاشرة، وهكذا وجدنا في كتب السير، والله أعلم.
[٣٦]
مارية القبطية رضي الله عنها
بنت شمعون أهدها المقوقس وملك القبط إلى النبي صلى الله عليه وسلم مع أختها سيرين، وأرسل معها البغلة التي كان يركبها، وسماها دلدل، وغلاماً اسمه مأبور، وعسلاً، وذلك لفي سنة سبع، فوهب سيرين لحسان بن ثابت، وهي أم عبد الرحمن، واصطفى لنفسه مارية ودخل بها، وأقامت عنده فولدت له إبراهيم عليه السلام في السنة الثامنة، وكان مولد إبراهيم عليه السلام في العالية وعق عنه النبي بكبشين يوم سابعه، وسماه، وتصدق شعره ورقاً على المساكين بعد حلقه، ثم دفن شعره في الأرض، قد دفعه إلى امرأة يقال لها أم سيف زوجها قين بالمدينة يسمى أبو يف، وذكر في "شرح ذات الشفاء": قال أنس: ري الله عنه: قال رسول لله صلى الله عليه وسلم ولد الليلة لي غلام فسمته باسم أبي إبراهيم، قال أنس: ذلك حين بلغه أن إبراهيم عليه السلام مريض، فانطلق رسول الله، وانطلقت معه فصادفنا أبا سيف ينفخ [في] كير، وقد امتلأ البيت دخاناً، فأسرعت في المشي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له: يا أبا سيف أمسك، جاء رسول [صلى الله عليه وسلم فأمسك] فدعا رسول الله بالصبي فضمه إليه وقال: "ما شاء الله، إن يقول قال" قال: فلقد رايته يكيد بنفسه فدمعت عينا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا بك يا إبراهيم لمحزنون".
وتوفي إبراهيم عليه السلام يوم الثلاثاء لعشر خلت من ربيع الأول سنة عشر، وعمره ثمانية عشر شهراً، وذكر أهل التاريخ: أن الشمس كسفت يوم موت إبراهيم، فقيل: كفت الشمس لموت إبراهيم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تكسف لموت أحدٍ، إنما هي آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده، وأراد بهما خسوف القمر وكسوف الشمس وقال ابن السكيت: مارية بن رقم بن ثعلبة بن عمرو بن جفنة من آل مزيقياء وابنة الحارث الأعرج المعني بقول حسان بن ثابت رضي الله عنه شعراً:
أولادُ جفنةَ حول قبرِ أبيهم ... قبرَ ابن مارية الكريمِ المفضلِ
وذكر في "شرح ذات الشفاء" عن سيرين قالت: لما نزل بإبراهيم الموت صرت كلما صحت أنا وأختي مارية، ينهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصياح، وقيل: إنه لما بكى النبي، صلى الله عليه وسلم قال له أبو بكر وعمر: أنت أحق من عم الله حقه.
فقال:"تدمع العين ويحزن القلب" الحديث، وقال له: عبد الرحمن بن عوف: أو لم نهيت عن البكاء؟ قال:(لا ولكني نهيت عن صوتين أحمقين: صوت عند مصيبة، وصوت عند نغمة لهوٍ، وهذه نغمة من لا يرحم، ولا يرحم) .
ويرى أن أسامة صرخ فنهان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: رايتك تبكي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"البكاء من الرحمة، والصراخ من الشيطان" وقيل: لما مات إبراهيم كان صلى الله عليه وسلم مستقبلاً للجبل، فقال:"يا جبل لو كان بك مثل ما بي [لهدك] ولكن إنا لله إنا إليه راجعون".