هجوتَ محمداً فأجبت عنهُ ... وعندَ الله في ذاكَ الجزاءُ
وكان قد قدم أبو سفيان ومعه ولده جعفر وعبد الله ابن عمته وهو أخو أم سلمة رضي الله عنها، في غزوة الفتح إلى عند النبي صلى الله عليه وسلم فأعرض عنهم فقالت أم سلمة، رضي الله عنها: يا رسول الله لا يكون ابن عمك وأخو ابن عمك أشقى الناس بك، فقال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم: أما ابن عمي فهو الذي هجاني، وأما ابن عمتي فهو الذي قال لي بمكة ما قال يعني قوله تعالى (لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا) ثم قدما مسلمين فقبل إسلامهما ورضي عنهما، وشهدا معه الفتح وحنين والطائف، ويروى أن أبا سفيان ما رفع رأسه إلى النبي حياء منه. ويروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:"أبو سفيان من شباب أهل الجنة أو سيد فتيان الجنة" ويروى أن أبا سفيان حفر قبر نفسه قبل موته بثلاثة أيام وسبب موته أنه حج فلما حلق قطع الحلاق ثألولاً كان في رأسه، وتمرض ومات وصلى عليه عمر ودفن في دار عقيل، وكان صلى الله عليه وسلم يقول فيه:"إني لأرجو أن يكون خلفاً من حمزة" وقال صلى الله تعالى عليه وسلم: "أبو سفيان خير أهلي، أو من خير أهلي" ويروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشة رضي الله عنها: "هلمي فانظري إلى ابن عمتي الذي كان يهجو أول من يدخل المسجد وآخر من يخرج منه" وكانت ثويبة أرضعت قبل النبي صلى الله عليه وسلم أبا سفيان والحمزة رضي الله عنه عم النبي صلى الله عليه وسلم وكان أسن من النبي بسنتين أو بأربعة.
ولما ولد سارت ثويبة إلى مولاها أبي لهب، وبشرته بولادة النبي المنتخب فأعتقها، وقد ذكرنا سابقا أن مما لا يجوز القول به لمخالفته القرآن من قال إنه يخفف العذاب عن أبي لهب كل يوم اثنين أو ليلته وأما الرؤيا التي ذكرت عن العباس أنه رأى فيها أبا لهب بالمنام فسأله عن حاله فقال له يخفف عني العذاب كل ليلة اثنين وأمص من بين أصابعي ماء مثل هذا وأشار إلى نقرة إبهامه وأن ذلك بإعتاقي لثويبة حين بشرتني بولادة محمد صلى الله عليه وسلم ابن أخي وبإرضاعها له فهذا لا يقبل ومردود عليه لمخالفته ما جاء في قوله تعالى عن الكفار في النار (فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون) سورة البقرة.
وذكر في "شرح ذات الشفاء" أنه إنما أعتقها لما هاجر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم إلى المدينة، وكانت خديجة تكرمها، وطلبت من أبي لهب ابتياعها فأبى، فلما هاجر صلى الله عليه وسلم أعتقها وكان صلى الله عليه وسلم يبعث لها بصلة وكسوة، وهي بمكة. وجاء خبر موتها مرجعه من خيبر، سنة سبع من الهجرة، والله أعلم.
[١٨]
حليمة السعدية رضي الله عنها
بنت أبي ذؤيب السعدية، وزوجها الحارث وهي من بني سعد بن بكر ابن هوازن أدركت الإسلام وأسلمت هي وزوجها الحارث وبنوها: عبد الله والشيماء وأنيسة، قيل كان صلى الله عليه وسلم جالساً على ثوب فأقبل أبوه من الرضاعة وهو الحارث فوضع له شق ثوبه، فقعد عليه، ثم: أقبلت أمه حليمة فوضع لها شق ثوبه من الجانب الآخر، فجلست عليه، ثم أقبل أخوه من الرضاع فقام وأجلسه مكانه، وقعد قبالته، وقيل: إن الحارث أسلم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا غير صحيح، لأنه لما قدم مكة قبل الهجرة فأخبرته قريش بما يقوله النبي صلى الله عليه وسلم فدخل عليه، فقال: أي بني إن قومك يشكونك ويزعمون أنك قلت: إن الناس يبعثون بعد الموت ثم يصيرون إلى جنة أو نار فقال صلى الله عليه وسلم: "نعم أنا أقول ذلك ولو كان ذلك اليوم فلآخذن بيدك حتى أعرفك حديثك اليوم" فأسلم الحارث وكان يقول حين أسلم: لو أخذ ابني بيدي فعرفني ما قال لم يرسلني حتى يدخلني الجنة.