وهي زوجة سلام بن مشكم اليهودي، كانت من أهل البغي والغدر، وهي التي سمت الشاة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأكثرت السم في الذراع، لأنها بلغها أنه صلى الله عليه وسلم كان يحب الذراع، فأكل منها صلى الله عليه وسلم وأكل معه بعض أصحابه، ثم أحس به صلى الله عليه وسلم فقال لأصحابه، "ارفعوا أيديكم، فإنها أخبرتني، أي الشاة، أنها مسمومة". فكف الصحابة أيديهم، ثم قال، صلى الله عليه وسلم لأصحابه: اجمعوا من هنا من اليهود، فجمعوهم فسألهم صلى الله عليه وسلم عن أشياء فأجابوا، وكذبهم صلى الله عليه وسلم ثم قال لهم: هل جعلتم في هذه الشاة سماً؟ فقالوا: نعم فقال صلى الله عليه وسلم: ولم ذاك؟ قالوا أردنا بذلك إن كنت كاذباً استرحنا منك، وإن كنت نبياً مرسلاً لم يضرك منها شيء، فعفى صلى الله عليه وسلم عن اليهودية ولم يعاقبها، ومات بعض من أكل من ذلك الطعام ثم إنه صلى الله عليه وسلم بعدما كلمته الشاة، وأخبرته أنها مسمومة، ومنع أصحابه من الأكل، احتجم من أجل ذلك على كاهله، وممن مات من ذلك السم بشر بن البراء، فقيل: إنه صلى الله عليه وسلم دفع اليهودية إلى أهل بشر فقتلوها، والصحيح أنه عفى عنها صلى الله عليه وسلم وقال ابن إسحاق: إن المسلمين ليرون أنه ما تصلى الله عليه وسلم شهيداً يعني من ذلك السم، لأن في حديث أبي هريرة، رضي الله عنه: إن أكله خيبر ما زالت توجعه وتعادوه حتى قطعت أبهرة. والأبهر عرق في الظهر وقد قال صلى الله عليه وسلم ذلك في مرض موته. وحكي: أن الإمام عمر رضي الله عنه أهدى له ملك الروم سماً في زجاجة، وقال له: إذا أردت أن تهلك أحداً من أعداءك فضع قطرة من هذا الطعام وأطعمه، فإنه يموت لوقته، فأخذ عمر رضي الله عنه الزجاجة من يد الرسول وقال: إن شر العداة لي نفسي، ثم قال: بسم الله الرحمن الرحيم وشرب ذلك السم كله فلم يضره شيئاً بأذن الله. وجعل رسول ملك الروم يتعجب من ذلك وظن أنه يموت من ساعته. وهذا الذي فعله الإمام عمر رضي الله عنه ترغيباً في الإسلام. وإلا فإن السم أثر فيه صلى الله عليه وسلم وكذا في الحسن بن علي رضي الله عنه فإن زوجته سقته السم ومات به وهي جعدة بنت الأشعث، دس إليها يزيد أن تسم الحسن رضي الله عنه ليتزوجها، وبذل لها مائة ألف درهم فتابعته، وفعلت ما أمرها، فمرض الحسن رضي الله عنه أن يخبره من سقاه السم فلم يخبره وقال له: إني لأجد كبدي ينقطع وإني لعارف من أين دهيت، فأنا أخاصمه إلى الله، فبحقي عليك لا تكلمن في ذلك بشيء وتوفي سنة تسع وأربعين، ولا يبعد ذلك عن الإمام عمر، رضي الله عنه إنه شربه ولم يضره، فإن الإمام عمر رضي الله عنه به أظهر الله الدين، وكان إسلامه بدعوة رسول الله حين قال"اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين". وفي رواية بأعز الرجلين. فأسلم عمر رضي الله عنه وكراماته كثيرة، وهذه من بعض كراماته، وذكر في كتاب "نصاب الاحتساب ". أنه كانت زلزلة في الأرض، في خلافة عمر رضي الله عنه فخرج مع أصحابه وضرب بالدرة على الأرض، وقال: اسكني بإذن الله. فسكنت وهذه أعظم من شرب السم. وقيل: إن ماء النيل في مصر غار مرة في زمن عمر رضي الله عنه فسأل عمر رضي الله عنه: أكان قبل الإسلام؟ فقالوا: نعم. قال: فما كانوا يصنعون به؟ فقالوا: يوقعون فيه بيتاً بكراً بثيابها وحليها فينبع الماء. فكتب عمر رضي الله عنه: من عبد الله عمر، أمير المؤمنين، إلى وادي النيل، أما أنا فلا أشتغل برسم الجاهلية، ولكن سر بإذن الله تعالى، وأمر تلك الورقة أن تلقى في النيل، ففعلوا فنبع الماء، وهو يسير كذلك إلى يوم القيامة، والله سبحانه وتعالى أعلم.