فقال الرشيد: قم يا مفضل فإن هذه الماجنة هيجتني، فقمت وأرخيت عليهما الستور. أقول: كيف سمحت نفس الرشيد بأن يواقع جاريته ويطرد جليسه وهو كامل العقل؟ وكيف سمحت له نفسه بقتل وزيره حيث واقع منكوحته وهو سكران لا يعقل ولا يعلم هي أم غيرها؟ فإن قيل: قتله لخسة أصله. أقول قد رفعه الإسلام وعظمه جوده الذي شمل الخاص والعام، ولكن ذلك بتقدير الملك العليم العلام، وعند الله تصير الأمور، انتهى.
[٢١]
بيرخان بنت الشاه طهماس بن الشاه إسماعيل بن حيدر
ابن جنيد بن إبراهيم بن الخواجا علي بن صدر الدين بن صفي الدين بن جبرائيل، ينتهي نسبة إلى الإمام رضي الله عنه وبيرخان أخت الشاه إسماعيل لامه وأبيه وكانت كاملة العقل حسنة التدبير، وكان لها أخ من أبيها اسمه حيدر، وأمه مقربة عند الشاه طهماسب، وكان الشاه قد غضب على ابنه إسماعيل وسجنه في قلعة الموت فخافت زوجة الشاه طهماسب على الملك أن يليه ابن زوجها اسماعيل، وهي التي عملت على حبسه، فعمدت إلى زوجها ووضعت له سماً في النورة، ولما تنور وقعت مذاكيره، وعلم أن ذلك بأمر ولده حيدر فاستدعاه وقال له: لم فعلت هذا، أتظن تتمتع بعدي بالملك؟ وخرج حيدر من عند أبيه، فاستدعى الشاه ابنته بيرخان وخبرها بما فعلته زوجته بأمر ولدها حيدر، وأعطاها الخاتم وقال لها: دبري على هلاك حيدر، واستدعى أخاك إسماعيل من الموت فخرجت بيرخان واستدعى بعض مماليك أبيها، وأرسلتهم إلى داخل خزينة الشاه، وأمرتهم أن يكمنوا إلى أن يأتي حيدر ويقتلوه، فقبلوا وكمنوا، ثم استدعت أخاها حيدر وأعطته الخاتم، وقالت له: امض إلى الخزينة، وانظر ما فيها. فسار من وقته فلما حصل في الخزينة لم يشعر إلا والرجال قد أحدقوا به، وضربوه بالسيوف وقتلوه، ومات الشاه طهماسب في ذلك الوقت سنة أربع وثمانين وتسعمائة، ودفن معه ولده حيدر ثم ركبت بيرخان وسارت إلى قلعة الموت، وأطلقت أخاها من الحبس، وفوضت إليه أمر المملكة، وكان الشاه إسماعيل أولاً شيعياً، ثم صار سنياً، وسبب أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وأصحابه الأربعة عنده فتقدم إلى علي رضي الله عنه فأعرض عنه، فقال له: لأي شيء يا إمام؟ قال: لبغضك الصديق، فتقدم إلى الصديق واعتذر وتاب. فبشره الصديق، رضي الله عنه بالخلاص من الحبس على يد رجل فلا تجتمع به فإنه يغدر بك. ثم يأتيك آخر فصدقه وتوجه معه، فلما مات أبوه أرسل أخوه حيدر يدعوه ليقبض عليه ويقتله، فما قدر. وقتل حيدر وجاءت أخته بيرخان فصدق كلامها، وسار معها وجلس على سرير الملك، وصار سنياًَ، وقتل الرفضة ثم غدر بأخته بيرخان وقتلها سنة أربع وثمانين وتسعمائة مفرد:
ولم تطل أيام الشاه إسماعيل ومات سنة خمسٍ وثمانين وتسعمائة، قيل: هجم عليه خدام أبيه وقتلوه حيث خالفهم، وبلغ من قتل في أيامه فكانوا ثلاثين ألف رافضي.
وهذا لولا غدره بأخته لحمدت سيرته لأن سلفه كانوا سبباً لظهور الرفض وأول من أظهره في بلاد العجم جده الشاه إسماعيل بن حيدر، وعمل له بعض أدباء الشيعة تاريخاً [أسماه] مذهبنا حق. فبلغ أهل السنة فقالوا: مذهبنا حق، على النفي والله أعلم.
حكي: أن رجلاً من أهل السنة خرج يوماً في البر إلى خربة، فوجد شخصاً من الرفضة جالساً وأمامه صورة، فاختفى السني، وجعل الرافضي يخاطب تلك الصورة، ويعني بها الصديق رضي الله تعالى عنه ويقول له: لم أخذت الخلافة من علي؟ وضرب عنق الصورة، ثم أخرج صورة أخرى، يعني بها عمر رضي الله تعالى عنه وجعل يعاتبها، وضربها بالسيف فأطاح رأسها، ثم أخرج أخرى يعني بها عثمان، ورضي الله عنه وعاتبها وضربها بالسيف، وخرج أخرى، وهي حسنة الشكل يعني بها علي رضي الله عنه وقال له: الذنب لك حيث تركت غيرك يتقدم للخلافة وضرب عنق الصورة وأخرج أخرى يعني بها صورة النبي صلى الله عليه وسلم وعاتبها وقال: أنت الذي قدمت أبا بكر على علي وغير ذلك من الخلط الفاحش، وضرب على الصورة بالسيف وأخرج صورة أخرى يعني بها الحق جل جلاله تعالى لله عن ذلك (ليس كمثله شيء) وأطال العتاب، وهم بضرب الصورة، وقد ملئ غيظاً فأخذ ذلك الرجل سلبه، وكان عنده دنانير فأخذها ومضى إلى بيته، وكان فقيراً، أعلم بالصواب.