هي أخت الخليفة الرشيد، وهي التي كانت سبباً لقتل البرامكة، وذلك أن الوزير جعفر بن يحيى البرمكي كان يدخل إلى حرم الرشيد، وكان للرشيد أخت اسمها عباسة، وكانت حسنة جميلة إلا أنها رعنة فقال الرشيد يوماً لوزيره جعفر: إني قد أذنت لك إلى حرمي، ولكن النظر منك إلى أختي عباسة حرام، فإني أريد أنى أعقد النكاح ليحل لك النظر إليها، ولكن بشرط أن لا تقربها، فقبل الوزير فأمر الرشيد بإحضار القاضي والأعيان وعقد الوزير على عباسة وشرط عليه أن لا يقربها، فأقاما على ذلك برهة من الزمان، فاشتاقت عباسة للرجل فلبست أفخر ثيابها، وتطيبت وأمرت دايتها أن تأخذ بيدها، وتذهب بها إلى عند الوزير جعفر، وتقول له: هذه جارية عباسة أخت الخليفة أهدتها إليك، ففعلت العجوز ما أمرتها الرعنة، فأخذت بيدها ودخلت على الوزير جعفر وقد لعب برأسه السكر، وبقي لا يشعر فقالت له الداية: يا جعفر هذه جارية عباسة أهدتها أليك، فتلقاها بالقبول واخذ الجارية، وجعل يلاعبها وهي من تحت الستار إلى أن غلب عليه الباه فواقعها، وقد أطاعته مثل الأرض العطشانة لوابل المطر، فلما تم عمله وحقق النظر بها، فإذا هي عباسة فقال لها: ما هذه الصنيعة؟ قتلتني وقتلت البرامكة! فقلت له: لا بأس عليك! ألست زوجي؟ وحملت من وقتها، وأخفت حملها إلى أن قرب أوان وضعها، فاستشارت جعفر بما تصنع، وقد ظهر حملها، وندمت على ما فعلت وليس ينفعها الندم، خوفاً من القتل، فأشار عليها جعفر بالمسير إلى الحج، فاستأذنت من أخيها الرشيد، فأذن لها وأرسل معها جعفر، فسارت من بغداد، ومن تقدير الله تعالى أنها وضعت غلاماً جميلاً قبل وصولها إلى المدينة المنورة، ومن تقدير الله على جعفر أن أحب ذلك الغلام، ولم يعلم أنه سبباً لقتله، وإلا لو علم لكان قتله وأخفاه ثم أن عباسة الرعنة أعطت الغلام لبعض نساء مكة، وأعطنها مالاً جزيلاً لتربيه إلى أن يكبر، وحجا وعادا ولم يعلم الرشيد بذلك إلى أن كان يوماً من الأيام بلغ الوزير ابن الربيع الفضل خبر الغلام، وكان بينه وبين جعفر عداوة، فقص خبر الغلام على الرشيد فاغتاظ لذلك، وهم بقتل البرامكة، فحذرته بطش ربة زوجته زبيدة وقالت له: أليس هي زوجته؟ ثم حرضه ابن الربيع الفضل على قتل جعفر فقتله سنة سبع وثمانين ومائة وحبس أباه يحيى البرمكي وأخاه الفضل، وأقاما بالحبس إلى أن ماتا. فكانت عباسة سبباً لقتلهم، وذهاب دولتهم، وقد كانوا غرة في جبين الدهر فرحمهم الله، وفي قتلهم يقول الرقاشي، وقيل: أبو نواس:
وقل للمنايا قد ظفرتِ بجعفرٍ ... ولمْ تظفرْ من ْ بعدهِ بمسوَّدِ
حكي: أن الرشيد سأل يوماً وزيره جعفر عن جواريه فقال: يا أمير المؤمنين. كنت البارحة مضطجعاً وعندي جاريتان، إحداهما مكية، والأخرى مدنية، وهما يكبساني، فتناومت عنهما لأنظر فعلهما، فمدت المدنية يدها إلى ذلك الشيء ولعبت به حتى انتصب قائماً، فوثبت المكية وجلست عليه، فقالت المدنية: أنا أحق به فضحك الرشيد حتى استلقى على قفاه وقال لجعفر، هل سلوت عنهما؟ فقال جعفر: هما ومولاهما إلى أمير المؤمنين، وقريباً من هذا ماحكي في كتاب "تحفة الألباب": أن رجلاً من المترفين قال: تزوجت ثلاث نسوة: عبية وفارسية وقبطية. فقلت ليلة للعربية، أي وقت هذا؟ قالت هو سحر. قلت: وما يدريك؟ قالت: برد سواري وخلخالي، وقلت للفارسية: أي وقت هذا؟ قالت: سحر. قلت: وما يدريك هبوب النسيم، وصبح بسيم، وقلت للقبطية. أي وقت هذا؟ قالت سحر. قلت وما يدريك؟ قالت حركت بطني. فقهقه الرجل ضاحكاً: وقال: سبحان الله خالق الأصول والطباع. وفيه أيضاً. وقد ذكرتها اعتراضاً على الرشيد حيث قتل جعفراً لما واقع زوجته. حكى المفضل قال: دخلت على الرشيد وعنده طبق ورد وجارية جميلة واقفة، قد أهديت له فقال لي: يا مفضل قل بهذا الورد شيئاً، فقلت: