للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهي بنت ملك منهم، وكانت من أجمل النساء هيبة ووقاراً مع حسن رأى وأفكار تزوجها خوارزم شاه تكش بن أرسلان شاه بن أطسن شاه بن محمد شاه بن آنوش تكين، وحظيت تركان عند تكش وولدت منه محمد شاه، ولما مات تكش ملك بعده ولده محمد شاه، وكان صغيراً، فدبرته أمه تركان خاتون، وكان لها رأي وهيبة، وتنتصف للمظلوم من الظالم، جسورة على القتل، ولها في كل إليهم ناحية جليلة تقدم من توقيعها وتوقيع ابنها تاريخاً، وطغر توقيعها، عصمة الدنيا والدين الخ بركان ملكة نساء العالمين، وعلامتها: اعتصمت لله وحده.

تجودها بقلم غليظ وأقامت في أرغد عيش إلى ظهر التتار، وحاربوا ولدها محمد شاه، وهرب إلى جزيرة، ولحقه مرض ذات الجنب وأقام بالجزيرة إلى أن مات وكفن وفي قميصه لعدم الكفن، فسبحان من يعز من يشاء ويذل من يشاء.

ونظير ذلك ما حكي: أن صاحب الأندلس المعتمد بالله محمد بن المعتضد باله بن عباد بن القاضي محمد بن إسماعيل اللخمي، وكان ملكاً جليلاً شاعراً نبيلاً، ملك من بلاد الأندلس وثلاثين سوراً، وأقام بالملك نيفاً وعشرين سنة، وإلى أن خرج عليه أمير المسلمين يوسف بن تاشفين، وتغلب عليه، وملك البلاد وقبض على المعتمد، وسجنه في مدينة أغمات أربع سنين، ومات وهو في السجن سنة ثمان وثمانين وأربعمائة، وخلف ثمانمائة جارية، ومائة وثلاثة وسبعين ولداً، ودخلت عليه بناته، وهو بالسجن وكان يم عيد وعليهم أطمار رثة، وقد صرن يغزلن بالأجرة، فلما رآهن أنشد أبوهم يقول:

فيما مضى كنتَ بالأعيادِ مسروراً ... فساءك العيدُ في أغمات مأسورا

ترى بناتكَ في الأطمار جائعةً ... يغزلن للناسِ لا يملكن قطميرا

يطأن في الطينِ والأقدامُ حافيةٌ ... كأنها لن تطأ مسكاً وكافورا

قد كان دهركَ إن تأمره ممتثلاً ... فردكَ الدهرُ منهياً ومأمورا

فسبحان من يعطي ويمنع، ويضر وينفع لا راد لما قضى، يعز من يشاء، ويذل من يشاء، ويرفع ويضع، ولا يسأل عما يفعل، وهم يسألون:

[٢٥]

سلطان بخت تيمورلنك المغرور

يتصل نسبه إلى جنكزخان، وهو من قرية إيلغا من مدائن ما وراء النهر، قيل: أنه لما ولد سقط وكفاه مملوءة دم غبيط، فقيل: يصير شرطياً، وقيل: لصا فأصاب القائل لأنه سرق غنمة، وقيل: يصير قصاباً وقيل جلاداً يضرب أعناق العباد، فلا رحمه الله، ولما كبر ظهر فسار، وخرب البلاد، وأهلك العباد، وكانت بنته سلطان بخت في حال حياة أبيها، لا تحب الرجال، بل مشغوفة بحب النساء وقنعه منهن بالسحاق، شعر:

قلْ للتي تدَّعي السحاق ... إلى كمْ تساحقي

ليسَ يشفي غليلك ... منْ جميعِ الخلائقِ

غير ذا الأقرعِ الحليقِ ... رأسه الجوالقي

ذكر في ديوان الصبابة أن رجلاً مر في كان خال، فوجد فيه امرأتين تتساحقان فرفع الفوقانية، وجامع التحتانية، وقال: هذا جرح يحتاج إلى فتيلة إش تنفعه اللزقات.

يا شهدُ لا واللهِ وما أقنعُ ... أن أعاود قبلتكِ

ما أنني عندي شهوة ... حتى أذوقَ عسيلتك

وقيل: إن التحتانية قالت للفاعل: وأنشدت:

من حاز والأكفُّ تلمسه ... عنقَ ظليم بغير منقار

أنعظ حتى أضحى كفيشلةٍ ... مشدودةٍ في نارِ بيطار

يشقق حينَ يدخله ... كأنه بطومار

ثم لما مات تيمور سنة سبع وثمانمائة، أقامت ابنته سلطان بخت في بغداد، فأفسدتها العواهر، فصارت لا تفتر عن الجماع، ولها حكايات غريبة يشمئز منها السمع وكان لسان حالها يقول:

المرد يصبوا إليهمُ السفلُ ... وفي الغواني الجمالُ والغزلُ

فالدبر مأوى لغائطٍ وأذىً ... وفي الزنابيرُ يجتنى العسل

ومثله قول الآخر مضمناً:

دع اللواط وخلِّ عنك وعج ... على النساء بالقبل والقبل

فإنما رجلُ الدنيا وواحدها=من لا يعولُ في الدنيا على رجل وأقامت سلطان بخت على هذه الحال حتى كرهت من فعلها لرجال، واستمرت على ذلك أعواماً وشهوراً وليال، إلى أن تسلم روحها مالك وقيدها بالسلاسل والأغلال، وعليها الذل والوبال.

[أذكياء النساء]

١ ذكر في "كتاب النزهة": أن امرأة وقفت على قيس بن سعد بن عبادة فقالت: أشكو إليك قلة النيران: فقاله لخدامه، املأوا لها دارها لحماً وسمنة ورزاً وخبزاً.

<<  <   >  >>