ثم إن شجر الدر تزوجت عز الدين أيبك، واستقل بالسلطنة وطالت أيامه، وخطب بنت بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل فبلغ ذلك شجر الدر فغضبت لذلك فلما دخل عز الدين أيبك الحمام جهزت شجر الدر الجوهري والخدام. فدخلوا على أيبك وقتلوه في الحمام، وبلغ ذلك مماليك أيبك فعزموا على قتل شجر الدر فحماها مماليك الصالح، ونقلت شجر الدر إلى البرج الأحمر، ثم قتلوها سنة خمس وخمسين وستمائة.
[١١٨]
أم الواحد بنت القاضي العلامة الحسين المحاملي
كانت من أهل الدين والصلاح، قرأت القرآن وحفظته مجوداً، وكانت حسنة الصوت، ثم قرأت الفقه، والنحو وعلم الفرائض، وأتقنت الجميع، ودرست في دارها النساء المخدرات، قرأ عليها كثير من النساء، وكان في عصرها وقطرها لا تحتاج النساء إلى سؤال مسألة لأحد من العلماء لأنها كفت الجميع ما يحتاجون إليه، وهو قراءة القرآن، ومسائل الفقه والفرائض، قيل: إن امرأة سألتها يوماً فقالت: ما تقول سيدتنا في جنب وحائض وميت، كانوا في البر وعندهم ماء يكفي لأحدهم، أيهما يتقدم؟ فقالت تقدم الحائض لأن ماء غسلها فرض على زوجها الجنب، ويتيم هو ثم الميت أيضاً، وإنما تقدم لأنها عورة فربما ظفرت بالماء وليس القدرة على الاغتسال، فلأجل ذلك تقدم على الرجل الميت.
ووجدت في هامش كتاب "الهداية" ناقلاً عن العلامة ابن همام الحنبلي: أولى بالماء المباح إذا وجدوه، هو وحائض ومعهم ميت، فيغتسل الجنب ويتيم الميت والحائض، وكذا المحدث. وهذا يدل على أن الرجل الجنب أولى من الامرأة والله أعلم، توفيت أم الواحد سنة سبع وسبعين وثلاثمائة.
[١١٩]
أم الفضل بنت عبد الصمد الهروية
صاحبة الأدب والفضل قرأت العلوم على الفقيه الفاضل ابن أبي شريح، ولها جزء مشهور ترويه أيضاً عن ابن أبي شريح، ولها غير ذلك، توفيت سنة سبع وسبعين وأربعمائة.
[١٢٠]
فاطمة بنت الحسن بنت علي الأقرع
كانت أجود أهل زمانها بالأدب والفضل، وكانت حسنة الخط في الغاية مع سرعة الكتابة وفرط صحته. حكي أنها كتبت يوماً، ورقة وأرسلتها إلى الوزير الكندري فتعجب من حسن خطها وبلاغة معانيها، فأعطاها ألف دينار. وكان لها اطلاع تام في معرفة التواريخ، وتحفظ شيئاً كثيراً من أشعار العرب.
حكي أن رجلاً سائلاً أتى دار فاطمة بنت الحسن يسألها شيئاً يستعين به على البرد، في يوم شديد البرد، وذكر لها أنه كثير التهجد بالليل وقد رمدت عيناه من السهر فقلت له: بما تداوي عينيك؟ قال بالعبادة والصوم والدعاء. فقالت له: لو خلطت الثلاثة بالمثلثة مع قليل انزروت لكان أسرع للإجابة. فقال لها: ما المثلثة؟ قالت: النوم والراحة وعدم السؤال. فولى الرجل وهو يقول: لا أفلح سائل سأل سائلاً. وتوفيت فاطمة بنت الحسن سنة ثمانين وأربعمائة والله أعلم.
[١٢١]
فاطمة أم الخير بنت علي المعروفة ببنت زعبل
كانت أوحد أهل زمانها بعلم الحديث، زولها مشاركة بالفقه والنحو والفرائض، وروت صحيح مسلم، كذا ذكره اليافعي، وكانت تتميز بالمسند والمرفوع والمتصل والمعنعن والمرسل والمتقطع والموضوع والمتواترة والغريب والمصحف والمسلسل.
ذكر في "الصفوة" المسند هو المتصل، والمقطوع هو المرسل، المنقطع المغضل هو الشاذ المعلل والمدلس المضطرب، والموضوع ما أضيف إليه صلى الله عليه وسلم والمعنعن هو الذي يقال في سنده فلان عن فلان، والمتواتر ما رواه جماعة كثيرة، والغريب ما انفرد به شخص واحد، والمصحف تغير لفظ أو معنى عن ظن الصواب. والمسلسل هو ما تتابع رجال إسناده على صفه أو حالة، والمرسل هو قول التابعي الكبير، والموضوع هو المختلق المصنوع.