ولكن أبا طالب خشي أن يعير بإسلامه، ولعل تلك المواقف تنفعه، والصحيح أنه مات كافراً، وجاء في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم سينفع بشفاعته صلى الله عليه وسلم فيوضع في نار قليلة، ثم بعد موت أبي طالب بثلاثة أيام توفيت خديجة، رضي الله عنها، زوجة النبي صلى الله عليه وسلم وظهر الضعف على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه، فنالت منهم الكفار ما لم تكن قبل ذلك تصل إليه، قال علي رضي الله عنه: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذت قريش تتجاذبه وهم يقولون: أنت الذي جعلت الآلهة إلهاً واحداً قال: فوالله ما دنا منا أحد إلا أبو بكر رضي الله عنه فصار يضرب هذا ويدفع هذا، ويقول: أتقتلون رجلاً يقول ربي الله؟ ولما أسلم عمر رضي الله عنه قال المشركون: لقد انتصف القوم منا. رواه ابن عباس رضي الله عنهما وعنه أيضاً: لما أسلم عمر نزل جبرائيل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد استبشر أهل السماء بإسلام عمر رضي الله عنه، وعن ابن مسعود، رضي الله عنه ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر بن الخطاب. وعن صهيب: لما أسلم عمر رضي الله عنه جلسنا حول البيت حلقا، وقيل: لما أسلم عمر رضي الله عنه وثب عليه عتبة بن ربيعة فألقاه عمر رضي الله عنه على الأرض وبرك عليه، وجعل يضربه وأدخل إصبعيه في عينيه، فجعل عتبة يصيح، وصار لا يدنو منه أحد إلا أخذ بشرا سيفه، وهي أطراف أضلاعه، وما زال الإسلام يعلو وينمو، وهاجر النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة.
وذكر في "كشف الأسرار" قوله: لم رباه صلى الله عليه وسلم يتيما؟ قيل: لأن الأساس كل كبير صغير، وعقبى كل حقير خطير، وأيضاً لينظر صلى الله عليه وسلم إذا وصل إلى مدارج عزه إلى أوائل أمره ليعلم أن العزيز من أعزه الله تعالى وأن قوته ليست من الآباء والأمهات، ولا من المال، بل قوته من الله تعالى وأيضاً ليرحم الفقراء والأيتام، ودل على ذلك قوله تعالى:(ألم يجدك يتيماً فآوى، ووجدك ضالاً فهدى، ووجدك عائلاً فأغنى) وفي الكتب القديمة: إن من علامات نبوته صلى الله عليه وسلم موت أبيه وهو حمل، وموت أمه وكفالة جده وعمه، وما أحسن قول الجمال بن نباتة شعراً:
ودعاهُ في الذّكرِ اليتيمِ وإنّما ... أسنى الجواهرَ ما يقالُ يتيمُ
وذكر في "المصابيح" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أهون أهل النار عذاباً أبو طالب وهو منتعل بنعلين يغلي منهما دماغه" وذكر في "شرح ذات الشفاء" أن الشيعة تقول: اسم أبي طالب عمران ليكون قوله تعالى: (وآل عمران) أي فيه نزلت، وعموا عن قوله تعالى:(إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررا) قاتلهم الله أنى يؤفكون. فوا أسفا عليه، لم يكن فيه خصلة مذمومة غير الشرك فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ومن شعر أبي طالب فيه صلى الله عليه وسلم يخاطب النجاشي فيه:
تعلّم خيارَ الناسِ أن محمّداً ... نبيٌّ كموسى والمسيح ابن مريم
أتى بالهدى مثل الذي أتيا بهِ ... فكلُّ بأمرِ الله يهدي ويعصم
وإنّكم تلونه في كتابكم ... بصدقِ حديثٍ لا حديثَ المترجم
فلا تجعلوا الله ندّاً وأسلموا ... فإن طريقَ الحقِّ ليس بمظلمِ
وهذا يدل على تصديقه بنبوته صلى الله عليه وسلم وإقراره بوحدانية الله تعالى.