قال في " الهداية ": الظهار كان طلاقاً في الجاهلية. فقرر الشرع أصله، ونقل حكمه إلى تحريم مؤقت بالكفارة غير مزيل للنكاح، وهذا لأنه جناية، لكونه منكراً من القول وزوراً، فيتناسب المجازات عليها بالحرمة وارتفاعها بالكفارة، والظهار هو إذا قال الرجل لامرأته، أنت علي كظهر أمي. فقد حرمت عليه، لايحل له وطؤها، ولامسها، ولا تقبيلها حتى يكفر لقوله تعالى (والذين يظاهرون من نسائهم (إلى أن قال: (فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا (فإن وطئها قبل أن [يكفر بتحرير رقبة] يكفر، أستغفر الله، ولاشيء عليه غير الكفارة، وإن قال: رأسك علي كظهر أمي، أوفرجك، أووجهك، أورقبتك، أونصفك، أوثلثك، كله ظهار، لأنه يعبر بها عن جميع البدن، وإن قال: أنت علي مثل أمي أو كأمي، يرجع إلى نيته، فإن قال: أردت الكرامة فهو كما قال، وإن أراد الظهار كان ظهاراً، وإن قال أردت الطلاق فهو طلاق بائن لأنه تشبيه بالأم في الحرمة. فكأنه قال، أنت علي حرام، ونوي به الطلاق، وكفارة الظهار عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً وكل ذلك قبل المسيس، ويجزي في عتق الرقبة الكافرة والمسلمة والذكر والأنثى، والصغير والكبير، ولايجزي العمياء، ولا مقطوعة اليدين أو الرجلين، ويجوز الأصم والعوراء، ومقطوعة إحدى اليدين أو الرجلين، وفي "التتار خانية": لو قال: إن تزوجتك فأنت علي كظهر أمي مائة مرة فعليه لكل مرة كفارة وفي "الجوهرة": وظهارها منه لغو، أي: ظهار المرأة بقولها لزوجها: أنت علي حرام كأبي أو أخي، فلا حرمه فيه، ولا كفارة وبه فتى. وقال صدر الشريعة: الظهار هو تشبيه زوجته أو ما عبر به عنها، أو جزء شائع منها بعضو، يحرم نظره إليه من أعضاءٍ محرمة نسباً أو إرضاعاً، وفيه إذا قال: أنت علي حرام كظهر أمي. هذا ظهار لا غير. وفي"الينابيع": لو قال ظهرك علي كظهر أمي أو بطنك أو فخذك لا يكون مظاهراً، وفيه عن الحسن: المرأة إذا قالت لزوجها أنت علي كظهر أمي فعليها كفارة يمين. وقال أبو يوسف رضي الله عنه: يجب عليها كفارة ظهار، وهذا على خلاف ما ذكره في "الجوهرة".
[١٨]
عنان جارية الناطفي
كانت جميلة الصورة، حسنة السيرة، ما رآها أحد إلا وأحبها وكانت تحسن الغناء، والألحان بحسن صوت يذهل الألباب، وكان أبو نواس قد شغف بها، وله فيها أشعار تحير الأفكار، فاتفق يوماً من الأيام [أن] أصاب عنان مرض منعها عن القيام، ولم يعلم بذلك أبو نواس، فتمرض لمرضها وامتنع من الخروج، فدخل عليه بعض أصحابه يعودونه فوجدوا فيه خفة فجلس معهم وسألهم، من أين أقبلتم: فقالوا: من عند عنان عدناها. فقال أبو نواس: أو كانت عليلة. قالوا: نعم، وقد عوفيت، فقال: والله لقد أنكرت علتي هذه، ولم أعرف لها سبباً غير أني توهمت وظننت أن ذلك لعلة نالت بعض من أحب، ولقد وجدت في يومي هذا راحة ففرحت، وقلت: عسى أن يكون عافاه الله قبلي، ثم دعا بداوة، وكتب إلى عنان.
فقلتُ ما كانتْ الحمَّى لتطرقني ... من غيرِ ما سببٍ إلاَّ بحمَّاكِ
وخصلة كنت فيها غيرُ متَّهم ... عافاني اللهُ منها حيت عافاكِ
حتَّى إذا اتَّفقتْ تفسي ونفسكِ في ... هذا وذاكَ وفي هذا وفي ذاكِ
وأرسلها إلى عنان فشكرته على صدق محبته لها. ونظير ذلك ماحكي: أن مجنون ليلى كان جالساً عند جماعة من قومه، فل يشعر إلا والدم يجري على محل الفصد، وذلك بغير مبضع فتعجب الناس منه. ثم انقطع فسأل عن ذلك، فقيل إن ليلى قد فصدت وهي في حيها، ولما قطعته، انقطع دم المجنون، والله أعلم. وهذا يدل على صدق المحبة، وأما في زماننا هذا فكثير من يعشق الصبح، ويواصل الظهر، ويسلو العصر، ثم يعشق غير محبوبه، وأما مجنون ليلى فقلما يوجد مثله.
روى المرزباني: أن المجنون خرج مع أصحابه يوماً ليمتار من وادي العزى فمر بجبل نعمان، وقد كانت ليلى تنزله، وهما جبلان، فسأل المجنون أصحابه: أي ريح تهب من نحو أرضها؟ فقالوا: الصبا. فقال. والله لا أبرح حتى تهب الصبا، فأقام في ناحية الجبل، ومضى أصحابه وامتاروا لهم وله، ثم عادوا إليه فحبسهم حتى هبت الصبا، وسار معهم، وأنشد يقول: