ذكر في كتاب "الكامل": فلما قتلت الناقة أتى رجل منهم إلى صالح عليه السلام وخرج قومه يتلقونه يقولون يا بني الله: إنما عقرها فلان ولا ذنب لنا، فقال: أدركوا فصيلها فإن أدركتم فعسى الله أن يرفع عنكم العذاب، فخرجوا يطلبون الفصيل، فهرب وقصد الجبل، وجعل كلما صعد يتطاول الجبل إلى السماء، حتى ما يقي يناله الطائر، فعادوا عنه وعاد الصالح عليه السلام إلى القرية، فبكى الفصيل ثم استقبل صالحاً عليه السلام ثلاث مرات، فقال صالح: لكل دعوة أجل يوم، وذلك قوله تعالى ( ... تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب) وآية العذاب الذي ينزل بكم أن وجوهكم تصبح في اليوم الأول مصفرة، وفي اليوم الثاني محمرة، وفي اليوم الثالث مسودة، فكان مثلما قال. فلما كان اليوم الثالث تكفنوا، واحتنطوا بالصبر والمر، وكانت أكفانهم النطاع، وألقوا أنفسهم إلى الأرض فلما كان اليوم الرابع أتتهم صيحة في السماء فيها صوت كل صاعقة، فتقطعت قلوبهم في صدورهم، وذلك قوله تعالى: ( ... فأصبحوا في ديارهم جاثمين) وهلكوا كلهم ولم يسلم منهم إلا أبو رغال، وهو أبو ثقيف، لأنه كان في الحرم، ولما مر صلى الله عليه وسلم على قرية ثمود قال لأصحابه: "لا يدخلن أحد منكم القرية، ولا تشربوا من مائها"، وأراهم مرتع الفصيل في الجبل، وأراهم الفج الذي كانت الناقة ترد منه الماء) .
وذكر في كتاب "مختصر المؤيد": أن قوم صالح اقترحوا عليه أن يخرج لهم ناقة من حجر صلد، فدعى الله تعالى فخرجت الناقة من الصخرة، وكانت هي سبب هلاكهم لما عقروها بامرأتين فاجرتين بينهم، وذكر في كتاب "قصص الأنبياء"أنه آمن بصالح من قومه أربعة آلاف نفر، وخرج بمن آمن معه ليلة الأحد، ونزل في مكان من أعمال فلسطين، وأهلك الله قومه سنة ثلاثة آلاف ومائتين وثلاثة وخمسين سنة من هبوط آدم عليه وعلى نبينا محمد أفضل الصلاة وأكمل التسليم. وقال في كتاب "البستان": ثمود اسم بئر بأرض الحجر، منه سميت تلك القبيلة ثمود، وكان عاقر الناقة رجلاً أحمر أزرق العينين يقال له: قدار بن سالف، وهو أشقى القوم: قال تعالى: (إذ انبعث أشقاها) .
[٤]
رقاش
هي أخت جذيمة الأبرش، كانت حسنة جميلة، وكان أخوها جذيمة من أجل ملوك العرب، فبلغه أن في بني لخم غلاماً حسن الصورة اسمه عدي فأرسل إليه واستدعاه، فلما قدم ودخل عليه رآه جميلاً حسناً فضمه إليه، وولاه شرابه، وجعله هو الساقي، فكان يسقيه ويتملى به، كما قيل:
أدار الكأس ساقينا ... فكانت مثله خديه
بياضاً في احمرار قد ... سبتنا مثل عينيه
يا معشر العذال أقبل قاتلي ... فقفوا لرؤية وجهه وتفرجوا
فالخد ياقوت ورائق ثغره ... در، وعقرب صدره فيروزج
فأرسلت إليه ليخطبها من أخيه جذيمة فأرسل إليها يعتذر إليها، ويقول: إني لا أقدر على هذا فاستدعته إليها، وضمته إلى صدرها، وجعلت تقبله، يقبلها، وتلاعبه ويلاعبها، ولسان حالها يقول:
ولما تلاقينا وعندي من الأسى ... بقية وجد، وهو نشوان من خمر
لثمت ثناياه العذاب فكلما ... تنفس عن خمر تنفست عن جمر
ثم إنها قالت له: إذا جلس جذيمة على شرابه فاسقه صرفاً، وأسقي القوم ممزوجاً، فإذا أخذت الخمرة فيه فاخطبني إليه، فلن يردك، فإذا زوجك فاشهد القوم، ففارقها ولما حضر جذيمة في مجلسه، وأمر بالشراب، فقدمها إليه عدي وفعل ما أمرته رقاش، ثم خطب رقاش من خذيمة فزوجه إياها، وأشهد القوم، فلما انق٤ضى المجلس انصرف عدي إلى عند رقاش فأعرس بها من ليلته، وأصبح بالخلوق فرآه جذيمة، فقال: ما هذه الآثار، فقال عدي آثار العرس. فقال أي عرس؟ قال عدي: عرس رقاش! فقال جذيمة: من زوجك بها ويحك؟ قال الملك. فعند ذلك ندم جذيمة، وتذكر ما قاله له، حين خطبها منه، وبدا في وجه جذيمة الغضب، فهرب عدي خوفاً من القتل، واتصل عدي في قبيلته، لم يعلم له مكان، ثم إن جذيمة كتب إلى رقاش يقول:
خبريني، وأنت لا تكذبيني ... أبحر زنيت أم بهجين
أم بعبد، فأنت أهل لعبد ... أم بدون فأنت أهل لدون