كانت أكفر من زوجها وأظلم منه، ولما مات زوجها سنة سبع وعشرين ومائتين خلف ولداً صغيراً اسمه ميخائيل من زوجته الملعونة بدونة فملكت الروم بدونة وأظهرت ما عندها من المكر والغدر، واستمرت إلى سنة ثمان وثلاثين ومائتين وجهزت في البحر ثلاثمائة مركب بالعساكر والعدد إلى قتال المسلمين، فقدموا إلى دمياط، وكبسوا المدينة واسروا ستمائة امرأة سوى الأطفال، وقتلوا كثيراً من الرجال وعادوا إلى بلادهم، فكانت تفتخر وتقول: أنا امرأة دبرت وعلمت على أسر ستمائة امرأة، وكثر شرها على المسلمين، ثم تسلم روحها ملك (الموت) وسجنها ي سجين، وأراح الله منها الموحدين سنة مائتين وأربعين، وعهدت بالملك لولدها ميخائيل، وفي الأمثال: لا تلد الذيبة إلا ذيبة.
[٢٣]
أم جنكزخان
أصلها من قبيلة التتار، وتسمى تلك القبيلة قتات، حملت في جنكزخان من غير زوج، وقيل: إنها كانت متزوجة ن رجل من أقاربها ومات زوجها، ثم بعد أعوام حملت من غير زوج، والظاهر يدل على أنه من لسفاح، فأنكر عليها أهلها حملها ن غير بعل فقالت لهم: إني رأيت في المنام كأن نوراً دخل في فرجي ثلاث مرات، فأمهلوني فإني حامل في ثلاثين بنين ذكوراً، فإن صدقت وإلا فاعلموا بي ما شئتم، فلما تم حملها وضعت ثلاثة أولاد ذكوراً، فعند ذلك ظهرت براءتها، بزعمهم فسمت أحدهن بوقن، والثاني ماعي، والثالث: نود بحر وهو جنكزخان.
وعلى ما ذكروا من أنه ظهرت براءتها بقولها، قال في الهداية: المطلقة الرجعية إذا جاءت بولد لسنتين أو أكثر ما لم تقر بانقضاء العدة لاحتمال العلوق في حالة العدة، وعلى هذا القول فتكون أم جنكزخان صادقة، ويلحق جنكز بأبيه، وقال أيضاً في الهداية: أكثر مدة الحمل سنتان، لقول عائشة، رضي الله عنها: الولد لا يبقى في البطن أكثر من سنتين ولو بظل مغزل، أقله ستة أشهر.
فعلى هذا قد يكون بين وضع جنكيز خان وبين ممات أبيه أقل من سنتين وقول هل التواريخ أعوام، يحتمل وصاعداً، وقال في الدر المختار: أكثر مدة الحمل سنتان لخبر عائشة رضي الله عنها وعند الأئمة الثلاثة أربع سنين وأقلها ستة أشهر، على هذا فقد ظهرت براءة أم جنكزخان، ولا يتوهم من أن المرأة لا تحمل أكثر من تسعة أشهر فقد قيل إن (وليداً) أقام في بطن أمه أربعة أعوام فلما ولدته ضحك وله أسنان في فمه، والله أعلم.
واعلم أن مملكة الصين متسعة، ودورتها ستة اشهر وانقسمت قديماً ستة أجزاء، كل جزء مسير شهر كامل، ولكل جزء خان يملكه، وكان خانهم الكبير ذلك الزمان اسمه الطن خان، ورث الخانية كابراً عن كابر، بل كافراً عن كافر، ومن عادة خانهم الأعظم الإقامة بمدينة طوغاج، وفي ذلك الوقت كان أحد الخانات الستة دوشى خان زوج عمة جنكزخان فمات فعمدت عمة جنكزخان إليه وولته مملكة زوجها بعد أن استأذنت كشلوخان وغيره، فبلغ خبره الطن خان فسار لحربهم كسروه، وتمكن جنكز خان فمات (الطن) خان وملك جنكزخان مملكته وإضافة لما في يده، ثم مات كشلوخان وأقام ابنه مكانه، فحاربه جنكزخان وقتله وضم إليه مملكته، وبقي يملك نصف الصين، وثم قاتل خوارزم شاه محمد وملك بلاده، واتسعت مملكة جنكزخان حتى ملك الصين والأغوات، وإيران والعراق، وعمت سراياه، الآفاق فلا رحم الله روحه.
وكان جنكزخان أمياً لا يقرأ ولا يكتب وعسكره مسلمون ويهود ونصارى، وكان لا يتعرض لأحد منهم، وهو لا دين له، بل يعظم علم كل طائفة، ولم يكن [له] علم فوضعوا قلم المغل، ورتبوا له كتاباً سماه (الباسق الكبير) وذكروا فيه لكل حسنة مثوبة، ولكل سيئة عقوبة، وصلب السارق، وخنق الزاني، وإن شهد عليه واحد، واستبعاد الأحرار، وتوريث نكاح الزوجة لأقارب في العدة، والأخذ بقول الجواري والصبيان ومطالبة الجار بالجار وغير ذلك من القواعد الملعونة على خلاف الشريعة الميمونة.