ابن حمدان صاحب مدينة الموصل، كانت من أجمل النساء عقلاً وجمالاً، وقيل: إنها لم تتزوج لشهامة عندها حتى لا يحكم عليها أحد من الرجال، وقد ذكر الثعالبي في كتاب "يتيمة الدهر": فقال: كانت بنو حمدان أوجههم للصباحة، وألسنتهم للفصاحة، وأيديهم للسماحة، وعقولهم للرجاحة. وكانت جميلة من أشرف نساء زمانها، تكرم العلماء وتعظم الفضلاء، ولما تغلب على أبيها أخوها أبو تغلب وقبض على أبيه، وسجنه في قلعة الجراحية، ووكل به من يخدمه لكبر سنه، وضعف فوته ورأيه، فلم تجد بداً جميلة من متابعة أخيها، وذلك سنة ست وخمسين وثلاثمائة، وفي سنة ست وستين وثلاثمائة، حجت جميلة بنت ناصر الدولة، وكان معها أربعمائة جارية، وتصدقت على أهل الحرمين، نثرت على الكعبة الشريفة عشرة آلاف دينار، ولما تغلب عضد الدولة بن ركن الدولة سلطان العراق على أبي تغلب وملك الموصل، وهرب أبو تغلب إلى الدولة سنة تسع وستين وثلاثمائة، وكان معه سبعمائة غلام من ممالكيه ومماليك أبيه، ومعه أخته جميلة وزوجته بنت عمه سيف الدولة، فخرج عليهم أمير طيء دغفل بن مفرج، وقتل أبا تغلب وتفرقت غلمانه، وحملوا أخته جميلة وزوجته بنت سيف الدولة إلى حلب، فأخذ سعد الدولة صاحب حلب أخته وتركها عنده، وأرسل جميلة بنت عمه إلى بغداد فاعتقلها عضد الدولة في حجرة، ثم أركبها على جمل سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة، ونادى عليها: هذه قبيحة أخت أبي مغلوب. ثم ألقاها في الدجلة وغرقها وماتت.
[١١٠]
تركان زوحة السلطان ملك شاه بن البارسلان السلجوقي
تزوجها سنة ثمانين وأربعمائة فولدت له السلطان محمود سنة أحدى وثمانين وأربعمائة ومات ملك شاه سنة خمس وثمانين وأربعمائة في بغداد، ولما أخفت تركان موته وفرقت الأموال على الأمراء والعساكر وسارت بهم إلى أصفهان، واستخلفت العساكر لولدها السلطان محمود، وعمره إذ ذاك أربع سنين، وقامت بتدبير الملك أحسن قيام، ودبر الأمر بين يديها تناج الملك بن نظام الملك. وكان من أصفهان السلطان بركيارق، بن السلطان ملك شاه فهرب من أصفهان خوفاً من تركان خاتون وتوجه نحو بغداد، وأرسلت تركان خاتون إلى بغداد، وخطبوا لولدها محمود في بغداد، وتقوى بركيارق، واجتمع عليه خلق عظيم، وملك بعض البلاد، فبلغ ذلك تركان خاتون فجهزت العساكر لحرب بركيارق مع الوزير تاج الملك، فحاربهم بركيارق وهزمهم، وقتل: تاج الملك سنة ست ثمانين وأربعمائة وقدم بركيارق وحاصر أصفهان وكانت تركان خاتون مريضة وماتت وهي محاصرة سنة سبع وثمانين وأربعمائة، وأصاب ولدها السلطان محمود جدري ومات بعدها بأيام قلائل، ومدة ملكه سنتان وأيام قلائل، وطمع بركيارق وملك أصفهان وجميع مملكة أبيه، واستقر الملك له، والله الباقي.
[١١١]
زمرد بنت جاولي صاحب مدينة الموصل
تزوجها تاج الدين بوري بن صغتكين صاحب مدينة دمشق، وأصدقها أربعين ألف دينار وتحف، وحظيت عنده، وولدت له مونح ومحمداً وشمس الملوك إسماعيل وشهاب الدين محمود، وهي التي بنت المدرسة ظاهر دمشق سنة أربع وعشرين وخمسمائة، وأوقفت لها أوقافاً كثيرة، وتوفي زوجها تاج الملك بوري سنة ست وعشرين وخمسمائة وسبب موته أن الباطنية وثبوا عليه وجرحوه جرحين برأ واحد منهما والآخر نسر ومات به، وملك الشام بعده ولده شمس الملوك إسماعيل وكان ظالماً قبض على أخيه وقتله، سنة سبع وعشرين وخمسمائة، وفي سنة ثمان وعشرين وخمسمائة اتفقت أمه زمرد مع رجل من أمراء دولته وسقته السم، ومات وقيل: كرهت ظلمه على الرعية فدست إليه من قتله. وملك دمشق بعده أخوه شهاب الدين محمود واستمر الملك بيده إلى سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة فقدم عماد الدين زنكي وملك حمص وحصن المجدل، وتزوج زمرد خاتون طمعاً بدمشق، وقتل محمود سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة، وكره عماد زمرد خاتون لما عجز عن ملك دمشق وطلقها، وأقامت إلى أن مات عماد الدين فتزوجت زمرد برجل باقلاني لفقرها وشدة احتياجها، فكان إذا لطمها زوجها تقول: لو عرفتني لما ضربتني، وتوفيت زمرد سنة خمس وأربعين وخمسمائة.