فلما رأته رقاش قالت: لا، بل أنت زوجتني امرءاً عربياً حسيبا، فعند ذلك عذرها، وحملت رقاش في ليلتها، ولما تكاملت عدتها، ولدتن غلاماً فسمته عمرو، ولما انتشى وترعرع أحبه خاله جذيمة، ثم إن الجن اختطفت عمرو، وأقام عنهم زماناً، ولما أفلت منهم، وعاد وهو عريان، أشعث، أغبر فلقي في طريقه من بني قضاعة رجلين وامرأة، وهما تكلان، فأقبل عمرو عليهم ومد يده إلى المرأة فناولته طعاماً كراعاً فأكله، ثم مد يده ثانياً، فقالت المرأة: لا تعط العبد الكراع فيطمع في الذراع، فصارت مثلاً. ثم إن المرأة سقتهما شراباً، وأوكت زقها، فقال عند ذلك عمرو. شعر:
صددت الكأس عنا أم عمرو ... وكان الكأس مجراها اليمينا
وما شر الثلاثة أم عمرو ... بصاحبك الذي لا تصحبينا
ثم إن القوم سألوا عمرو فعرفهم نفسه، فحملوه إلى جذيمة فأصلح حاله.
[٥]
عُفيرةُ بنتُ عباَّد
ويقال لها الشموس، وهي أخت الأسود من قبيلة جديس، وكان الملك في طسمٍ، والملك اسمه عمليق، وكان ظالماً جباراً، وبلغ من ظلمه أن لا تزف بكر على زوجها حتى يفتض هو بكارتها ثم يعمل له أبو بكر وليمة، ويدعو إليها طسم، وقصده بذلك فضيحة جديس، فلما تزوجت عفيرة حملوها إلى عمليق، على عادتهم، فافتض بكارتها، وخرجت من عنده، ودماؤها تجري على أثوابها، وقد شقت درعها، من قبل ومن دبر، وقالت:
لاَ أَحدَ أَذَلُّ مَنْ جَديْسِ ... أَهَكَذَا يُفْعَلُ بِالعَرُوسِ؟
يَرْضَى بِذَا يَا قَوْم بَعْلٌ حُرَّ ... أَهْدَى وَقَدْ أَعْطَى وسِيقَ المَهْرِ
ثم إنها بكت، وأنشدت تحرض قومها، وتقول: شعراً
أَتَرْضَوْنَ مَا يُقْضَى إلَى فَتَيَاتِكُمْ ... وأَنْتُمْ رِجَالٌ فِيكُمُ عَدَد النَّملِ
وتُصْبِحُ عُفْيراً بالدماءِ غَرِيْقَةً ... جِهَاراً، وقد زُفَّتْ عَرُوساً إلى البَعْلِ
فَلَوْ أننا كُنَّا رِجَالاً وَكُنْتُمْ ... نَسَاءً لَكُنَّا لاَ نَقِرُّ لِذا الفِعلِ
وإِنْ أَنْتُمُ لَمْ تَغْضَبُوا بَعْدَ هذِهِ ... فَكُونُوا نَسَاءً لا تَغيبُوا منَ الكُحْلِ
وَدُونَكُمُ طِيبُ العَرُوسِ فإنَّمَا ... خُلقْتُمْ لأثْوَابِ الْعَرُوسِ ولِلنَّسْلِ
فَبُعْداً وَسُحْقاً للَّذِي لَيْسَ دَافِعاً ... وَيَخْتَالُ يَمْشِي بَيْنَنَا مَشْيَةَ الفَحْلِ