ووفدت حليمة رضي الله عنها على رسول صلى الله عليه وسلم في أيام خديجة فأعطتها خديجة رضي الله عنها عشرين رأساً من الغنم، وبكرات من الإبل، وفي رواية: أربعين شاة وبعيراً. ثم وفدت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فبسط لها رداءه فجلست عليه. قال القاضي عياض: وزارت أبا بكر، رضي الله عنه ففعل كذلك وزارت عمر رضي الله عنه وفعل مثل ذلك، والظاهر أنها توفيت قبل خلافة الصديق، رضي الله عنه ولما سبيت أخته صلى الله عليه وسلم من الرضاعة الشيماء يوم هوازن، فقالت لمن سباها: أنا أخت صاحبكم. فحملوها إليه صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، أنا أختك. فقال: وما علامة ذلك؟ قالت: عضة منك في ظهري. فعرفها صلى الله عليه وسلم فقام لها وبسط لها رداءه وأجلسها عليه، ودمعت لها عيناه وإلى هذا أشار صاحب الهمزية بقوله:
وأتى السبيُّ فيه أختُ رضاعِ ... وضعَ الكفرُ قدرها والسّباءُ
بسطَ المصطفى لها من رداءٍ ... أي فضلٍ حواهُ ذاك الرداءُ
وذكر الأموي في مغازيه عن حليمة، قالت: خرجت مع نسوة إلى مكة نريد الرضاع ومعي أتان ضعيف وشارف لنا لا ترض علينا بقطرة، وصبي لا ينام الليل من بكائه، فلما قدمنا مكة عرض علينا صلى الله عليه وسلم فما منا امرأة قبلته، وكان أبوه قد مات، فكرهت أن أرجع ولم آخذ شيئاً، وقد أخذت صواحباتي، فقلت لزوجي: لأرجعن إلى ذلك اليتيم فآخذه، قال قد أصبت، عسى أن يجعل الله فيه خيراً. قالت حليمة: فانطلقت وأخذته في حجري، فدر ثديي عليه فشرب وشرب أخوه حتى رويا ثم ناما وقام زوجي من الليل إلى شارفنا فإذا قد حفلت قالت: فشرب وسقاني وقال: إني أرجو أن تكوني قد أصبت نسمة مباركة، قالت حليمة: ثم خرجنا فذهبت الأتان أمام الركب فقالوا: يا حليمة أليست الأتان التي نعرف؟ قلت بلى. فقدمنا بلادنا وهي مجدبة، فوالذي نفس حليمة بيده إن كانوا ليسرحون أغنامهم إذا أصبحوا ويسرح راعي غنمي، فترجع أغنامهم جياعاً وترجع غنمنا شباعاً، فما كان في أرضنا من يشرب اللبن غيرنا، وذكر في بعض السير، قالت حليمة: لما بلغ صلى الله عليه وسلم سنتين قدمنا به إلى أمه فلما نزل بها حتى قالت: ارجعا به. وذكر أن عبد المطلب خرج يلتمس له مرضعة فعثر بحليمة فدفعه إليها. وقيل: إن أتانها كانت تنطق وتقول إن شأناً ثم شأناً، وتسبق الركب وكان صلى الله عليه وسلم حين بلغ ثمانية أشهر يتكلم بحيث يسمع كلامه، وفي تسعة أشهر تكلم بالكلام الفصيح، وفي عشرة أشهر، كان يرمي مع الصبيان، وعن ابن عباس رضي الله عنه أن أول كلام تكلم به صلى الله عليه وسلم حين فطمته حليمة: الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلا. وفي رواية: أنه تكلم صلى الله عليه وسلم في بعض الليالي، وهو عند حليمة بقوله: لا إله إلا الله قدوساً نامت العيون، والرحمن لا تأخذه سنة ولا نوم. وفي رواية: أنه كان لا يمس شيئاً إلا قال: بسم الله. قالت حليمة: كان ينزل عليه كل يوم نور كنور الشمس ثم ينجلي عنه. وكان يشم من منازل سعد نسيم المسك، حين حصل فيهم وأخصبت أراضيهم، وكانت حليمة ترقصه بقولها:
يا رب إذا أعطيتهُ فأبقهِ ... وأعلهِ إلى العلى ورقّهِ