هي من الخوارج، وهي امرأة من تيم الرّباب، وكانت فائقة الجمال، وكان قد قُتل أبوها وأخوها يوم معركة النّهروان، في قتال علي بن أبي طالب رضي الله عنه الخوارج فلقيها ابن ملجم لعنه الله، فأحبّها وهام بها، ثم أرسل إليها يخطبها لنفسه، فقالت له، لا أتزوجك حتى تُشفي قلبي! قال: ما تريدين؟ قالت: ثلاثة آلاف. وعبد، وقنية، وقتل علي بن أي طالب رضي الله عنه فقال اللعين: أما قتل علي رضي الله عنه فأراك ذكرته وهو قصدي، وأنت تريديني! فقالت: أريد ألتمس الغرّة فإن أصبت شفيت نفسك ونفسي ونفعك العيش معي، وإن قُتلتَ فما عند الله خير وأبقى من الدنيا وما فيها، فقال لها: والله ما جاء بي إلا قتل علي رضي الله عنه ولك ما سألت. فقالت له: سأطلب لك من يشد ظهرك ويساعدك، فدعت رجلاً من قومها، اسمه وردان وكلّمته بذلك، فأجابها إلى ما طلبت، واتّفق مع ابن ملجم، وسارا إلى قتل علي. فكان من ابن ملجم ما كان، وغدر بعلي رضي الله عنه وقتله، ثم قُتل ابن ملجم لعنه الله وفي قطام يقول ابن أبي ميّاس المرادي:
ولمْ أرَ مهراً ساقهُ ذو سفاهةٍ ... كمهرِ قطام بينَ عُربٍ وأعجمِ
ثلاثةُ آلافٍ وعبدٍ وقنيةٍ ... وضربُ عليٍّ بالحسامِ المسمّمِ
فلا مهرَ أغلى منْ عليِّ وإن غلا ... ولا فتكَ إلاّ دونَ فتك ابنِ ملجمِ
وفي ابن ملجم لعنه الله يقول شاعر الخوارج، وقوله خطأ: شعر:
يا ضربة منْ تقيٍّ ما أرادَ بها ... إلاّ ليبلغَ منْ ذي العرشِ رضوانا
إنّي لأذكرُه يوماً فأحسبهُ ... أوفى البريّة عند اللهِ ميزانا
ولله درّ أخي أمين العمري حيث غيّرهما، وحرّفهما فأصاب: شعر:
أيا ضربة منْ شقيِّ ما أرادَ بها ... إلاّ ليدخلَ يومَ البعثِ نيرانا
إنّي لأذكرُه يوماً فأحسبهُ ... أوفى البريّةَ عند اللهِ خُسرانا
ذكر المؤرخون أنّ عليّاً، رضي الله عنه لمّا اصطلح مع أهل الشام على التّحكيم، وكتبوا بذلك محضراً، غضب القرّاء، واعتزلوا عليّاً رضي الله عنه، وقالوا: كفر عليٌّ، وكفر معاوية، وارتحلوا عن علي رضي الله عنه ونزلوا حرزراء بقرب الكوفة، وهم ستّة آلاف مقاتل، [وقيل] : ثمانية آلاف، وقيل: أربعة آلاف، وقيل: ألف وأكثر، وقيل: غير ذلك، وبايعوا عبد الله بن وهب الرّاسبيّ وخرج بهم إلى النّهروان، فتبعهم علي رضي الله عنه فأوقع بهم، وقتل منهم ألفين، وثمانمائة، وقيل: قُتلوا عن آخرهم، وقُتل من أصحاب علي رضي الله عنه سبعة، أولهم يزيد بن نويرة، شهد أُحداً.
وذكر في شرح ذات الشفاء سميت الخوارج طائف الكلاب لقوله: صلى الله عليه وسلم "الخوارج كلاب النار" وقال في شرح المواقف: كانوا بع فرق من قبائل شتى، واعتقادهم يخالف بعضهم بعضا، وذكر في شرح ذات الشفاء: أن الخوارج اجتمعوا وقالوا: إن علي رضي الله عنه والحجاج بن عبد الله الضميري لقتل معاوية وزادويه العنبري التميمي لقتل عمرو بن العاص، ودبروا أن يكون مقتل لثلاثة ليلة السابع عشر من رمضان، فدخل ابن ملجم الكوفة، واشترى سيفاً بألف وسقاه السم وكمن لعلي رضي الله عنه ليلة السابع عشر من رمضان، فلما خرج علي رضي الله عنه إلى صلاة الفجر ضرب ابن ملجم على يأفوخه، وضرب معاوية في تلك الليلة فخرجت أليته، وكان معاوية كبير الأوراك فقطع منه عرق النكاح، فلم يولد له بعد ذلك، وأما وزادويه فضرب إمام الجماعة في تلك الصلاة ليلة سبع عشرة، وكان نائب عمرو ولأنه وجعه بطنه فأناب عنه خارجة بن حذاقة فقتله، فلما تبين أنه خارجة قال: أردت عمرو، وأراد الله خارجة، فذهبت مثلاً، وفي ذلك يقول عبد المجيد بن تعبدون الأندلسي: شعر.
وليتها إذْ فدت تعمراً بخارجةِ ... فدتْ علياً بما شاءتْ من البشرْ
وسلم عمرو كمان يقول ما نفعني بطني قط إلا تلك الليلة، وقال معاوية:
نجوت وقد بلَّ المرادي سيفهُ ... من ابن شيخ الأباطح طالبِ
ولما ضرب معاوية بض على الحجاج، فقال لهم: لكم البشارة فقد قتل علي رضي الله عنه في هذه الليلة، وحكى لهم ما عزموا عليه فاستبقاه حتى أتاه الخبر بذلك فقطع يده ورجله وأطلقه فسكن البصرة.