ومن كراماتها: رزقها بغير حساب، كما أعطى سليمان، وقال:(هذا عطاؤنا فامننْ أو أمسكْ بغيرِ حسابٍ) ، وتكليم الملائكة لها، وإرسال جبرائيل إليها، وولادتها من غير مس، وبراءتها بلسان صبي، وضمها مع نبي في آية واحدة فقال تعالى:(وجعلنا ابنَ مريمَ وأمَّهُ آيةً ... ) وبهذا ذهب بعضهم إلى أنها نبية.
وذكر في "حلية الأبرار" قوله مريم عليها السلام ولقمان هل هما نبيان أم لا؟ فأجاب الشيخ محي الدين النووي: إن الجماهير على أنهما ليسا نبيين، وقد شذ من قال في نبوتها، ولا التفات إليه، ولا تعريج عليه.
وذكر في كتاب "شرح اللآلي"لعلي القادري قوله: ظاهر الأدلة يشير إلى نفي النبوة عن الأنثى، وعن ذي القرنين ولقمان ونحوهما كتبع، فإنه صلى الله عليه وسلم قال:"ولا ادري أنّّهُ نبيٌ أمْ ملك"، وكالخضر عليه السلام فإنه قيل: نبي، وقيل: ولي، وقيل: رسول على ما في "التمهيد" فلا ينبغي لأحد أن يقطع بنفي أو وذكر في "شرح الجوهرة": أن النبي الذي تظهر المعجزة على يده فذلك يحكم بنبوته وعلى هذا [ال] قول قد ذكر صاحب "كشف الأسرار" ما ظهر على مريم من المعجزات وعد منها: كان يأتيها رزقها، وتكليم الملائكة لها، وحملها بعيسى من غير رجل. فعلى قول صاحب "كشف الأسرار" أنها نبية والله أعلم.
وذكر في "شرح الجوهرة": قيل بنبوة مريم بنت عمران كما اختاره القرطبي في "شرح مسلم" وآسية امرأة فرعون، وقيل: بعدم نبوتهما كما هو الصحيح وعليه الأكثر، فإن قلت: فقد صح الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه من طرق عدة "خير نساء العالمين أربع: مريمُ بنتُ عمرانَ، وآسيةُ بنتُ مزاحم امرأةُ فرعون، وخديجةُ، وفاطمةُ". وصح أيضاً حديث ابن عباس رضي الله عنه:"أفضلُ نساءِ الجنَّةِ خديجةُ وفاطمةُ ومريمُ وآسية" فهذا يقتضي التسوية بينهن، فيعارضه قوله تعالى ( ... إنَّ اللهَ اصطفاكِ وطهَّركِ واصطفاكِ على نساءِ العالمين) وقد تحمل على نساء العالمين في زمانها، وفضل مريم من حيث الاختلاف في نبوتها وذكرها في القرآن مع الأنبياء عليهم السلام. وقد اختلف بنبوتها، ممن قال بنبوتها فقد احتج بقوله تعالى:(وجعلنا ابنَ مريمَ وأمَّهُ آيةً ... ) وغيرها من الآيات الدالة على نبوتها، ومن قال أنها ليست بنبية احتج بقوله:(وجعلنا ... ) أي شانها آية، وقيل: معناه جعلنا كل واحد آية.
واختلف العلماء في كيفية الإيمان بالأنبياء المتقدمين الذين نسخت شرائعهم، وحقيقة الخلاف أن شرعه لما صار منسوخاً فهل تصير نبوته منسوخة؟ قال: إن نسخ الشريعة لا يقتضي، نسخ النبوة قالوا: نؤمن بأنهم أنبياء ورسل في الحال، وقد تنبه لهذا بعض الفضلاء، وقد ذكر في "الفقه الأكبر" قوله صلى الله عليه وسلم: "كملَ منَ الرِّجالِ كثير، ولمْ يكملْ منَ النِّساءِ إلا ثلاثةَ: مريمُ وآسيةُ وخديجةُ".
وذكر في "المعلم" في تفسير قوله تعالى: (واذكر في الكتابِ مريمَ إذِ انتبذتْ منْ أهلها مكاناً شرقياً) أي تنحت واعتزلت من قومها مكاناً في الدار مما يلي الشرق، وكان يوماً شاتياً شديد البرد، فجلست في مشرفة تفلي رأسها وقيل: إنها طهرت من الحيض فذهبت للغسل فضربت ستراً وتجردت للغسل من الحيض إذ عرض لها جبرائيل في صورة شاب أمرد، فلما رأته يقص نحوها نادته من بعيد، قوله تعالى:(إنِّي أعوذُ بالرَّحمنِ منكَ إنْ كنتَ تقياً) فقال لها جبرائيل: (إنَّما أنا رسولُ ربِّكِ لأهبَ لكِ غلاماً زكيّاً) فقالت له مريم: ( ... أنَّى يكونُ لي غلامٌ ولمْ يمسسني بشرٌ ولمْ أكُ بغيّاً) فقال لها جبرائيل: ( ... كذلكَ قالَ ربُّكِ هوَ عليَّ هيِّن ... ) ثم رفع جبرائيل درعها فنفخ في جيبها فحملت حين لبست درعها، وقيل نفخ في كم قميصها، وقيل: في فيها، وقيل: نفخ من بعيد فوصل إليها الريح إليها فحملت وتنحت بالحمل وانفردت بعيداً من أهلها.