ومما يقرءونه في الساعة الأولى من صلاتهم: المسيح الإله الصالح، الطويل الروح، الكثير الرحمة، الداعي الكل إلى الإخلاص، قلت: إذا كان المسيح هو الإله فلم لا خلص نفسه من الصلب كما يزعمون، إنما هو كلمة الله وروح منه. (وما صلبوه ولكن شبه لهم..) ويقرءون في صلاة السحر: تعالوا بنا نسجد للمسيح إلهنا. وقاله تعالى (يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحث إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب* ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم..) .
فتعساً لهم ما أظلمهم وأعمى أبصارهم. ولهم من هذه الخرافات والكفريات أشياء كثيرة، فمنها أنهم يقرءون في الساعة الثالثة من صلاتهم: يا والدة الله يا مريم العذراء افتحي لنا أبواب الرحمة. وغير ذلك مما تنفر عنه الطباع.
ومن فضائحهم: أنه ظهر لهم في الموصل دين جديد سنة ألف ومائة وثلاث وتسعين أتت به البواتر من بلاد الفرنج، ويسمونه المسيحي، وهو أراجيف من الأول، وصارت غالب نصارى الموصل على ذلك الاعتقاد، وجعلوا يلعنون من مات قبلهم من آبائهم وأمهاتهم، ويشهدون عليهم بالكفر، فلعنهم الله وأخزاهم، ولي فيهم قصيدة ذكرت فيها فضائحهم، وقد ذكرتها في كتابي "الدر المنتشر في أدباء القرن الثالث عشر". وذكر ابن الأثير، أنه اجتمعت البطارقة والمطارنة والأساقفة في مدينة القسطنطينية بمحضر من ملكهم قسطنطين، وكانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً واتفقوا على هذه الكلمات اعتقاداً ودعوة، وهي قولهم: نؤمن بالله الواحد الأب، مالك كل شيء وصانع ما يرى وما لا يرى، وبالابن الوحيد إيسوع المسيح ابن الله الواحد بكر الخلائق كلها، وليس بمصنوع. غله حق من إله حق، من جوهر أبيه الذي بيده أتقنت العوالم وكل شيء، الذي من أجلنا وأجل خلاصنا نزل من السماء، وتجسد في روح القدس، وولد من مريم البتول، وصلب ودفن ثم قام في اليوم الثالث وصعد إلى السماء، وجلس على يمين أبيه وهو مستعد للمجيء تارة أخرى للقضاء بين الأموات والأحياء، ونؤمن بروح القدس الواحد روح الحق الذي يخرج من أبيه وبمعمودية واحدة، ولغفران الخطايا، وبالجماعة واحدة قدسية مسيحية جاثليقية وبقيام أبداننا، وبالحياة الدائمة أبد الآبدين.
فانظر وفقك الله بين هذا المعتقد السخيف، والإيمان الصادق الطاهر العفيف [في] قولنا: آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله وبالبعث بعد الموت، وبالقدر خيره وشره من الله تعالى.
وذكر في "النقاية" أن العالم حادث، وصانعه الله واحد قديم لا ابتداء لوجوده ولا انتهاء لذاته، وذاته مخالف لسائر الذوات، وصفاته: الحياة والإرادة والعلم والقدرة والسمع والبصر، والكلام القائم بذاته المعبر عنه بالقرآن المحفوظ بألفاظه المقروءة [ال] القديم، منزه عن التجسم واللون والطعم والعرض والحلول، ليس كمثله شيء، وما ورد في الكتاب والسنة نؤمن به، والقدر خيره وشره منه. أرسل رسله بالمعجزات الباهرات وختم بهم محمداً صلى الله عليه وسلم ونعتقد أن عذاب القبر حق، وسؤال الملكين حق، وأن الحشر والمعاد حق، وأن رؤية المؤمنين له تعالى حق، وأن المعراج بجسد المصطفى صلى الله عليه وسلم حق يقظة، وأن نزول عيسى بن مريم قرب الساعة وقتله الدجال حق، وأن رفع القرآن حق، وأن الجنة والنار حق مخلوقتان اليوم، وأن الجنة في السماء، والنار تحت الأرض السابعة، ونعتقد أن الموت بالأجل فإذا [قال] الإنسان هذه الأشياء واعتقدها فقد حظي بالإيمان الكامل.
وفي سنة ألف مائتين وواحد قرأت ما ذكره ابن الأثير من معتقد النصارى على قس للنصارى فقال: هذا هوالإيمان الكامل؟ فسحقاً له من إيمان كامل، إنما هو ناقص وكفر محض، وكلام أساقفة وشمامسة لعنهم الله ما أظلمهم وأعمى أبصارهم.