المحققون من العلماء لما جاءت بلقيس ودخلت الصرح حسبته لجة من الماء فكشفت عن ساقيها لتخوضه إلى سليمان فناداها كما أخبر الله تعالى عنه بقوله:(إنه صرح ممرد من قوارير) فتقدمت إليه فدعاها إلى الإسلام فأجابت وآمنت وأسلمت مع سليمان وأما ما ادعاه متبعو الإسرائيليات من المفسرين بأن سليمان عليه السلام قال له الشياطين إن رجليها كحافر حمار وأنها شعراء الساقين فاتخذ هذه الحيلة حتى تكشف عن ساقيها فينظر إليها فهذا ما لا يليق بنبي كريم على الله ولا يصح القول بمثله ثم لما تزوجها سليمان أحبها وأقرها على ملكها، فكان يزورها سليمان في كل شهر مرة، بعد أن ردها إلى ملكها، ويقيم عندها ثلاثة أيام وولدت له ولداً ذكراً.
وعن وهب قال: زعموا أنها لما أسلمت قال لها سليمان: اختاري رجلاً من قومك أزوجك. فقالت: إن كان ولابد فزوجني من تبع ملك همدان فزوجه إياها ثم ردها إلى اليمن.
وذكر في "المدارك" في تفسير قوله تعالى: (وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون) أي بقبولها أم بردها، ولأنها عرفت عادة الملوك فإن كان ملكاً قبلها وانصرف، وإن كان نبياً ردها ولم يرض منا إلا أن نتبعه على دينه، فبعثت خمسمائة غلام عليهم ثياب الجواري وحليهن، وأركبتهن خيلاً مغشاة بالديباج، محلاة اللجم والسروج بالذهب المرصع بالجواهر، وخمسمائة جارية عل رماك في زي الغلمان وألف لبنة من ذهب وفضة. وتاجاً مكللاً بالدر والياقوت، وحقة فيها درة عذراء، وجزعة معوجة الثقب، وبعثت رسلاً وأمرت عليهم المنذر بن عمرو، وكتبت كتاباً فيه نسخة الهدايا، وقالت: إن كنت نبياً فميز بين الوصفاء والوصائف، وأخبرنا بما في الحقة، وأثقب الدرة، واسلك في الخرزة خيطاً، ثم قالت للمنذر: إن نظر إليك نظرة غضب فهو ملك، وإن رأيته بشا لطيفا فهو نبي. فعاد الهدهد وأخبر سليمان، فأمر الجن فضربوا لبنات الذهب والفضة وفرشوها في ميدان طوله سبعة فراسخ، وجعلوا حول الميدان حائطاً شرفه من الذهب والفضة، وأمر بأحسن دواب البحر والبر أن تربط على يمين الميدان ويساره على اللبنات، وأمر أولاد الجن أن يقوموا على اليمين واليسار ثم جلس على سريره، والكراسي من جانبيه، ثم اصطفت الشياطين صفوفاً فراسخ، والإنس صفوفاً فراسخ، والوحش والسباع والهوام والطيور كذلك. فلما دنا القوم ورأوا الدواب تروث على اللبن رموا بما معهم من الهدايا، ولما وقفوا بين يديه نظر إليهم سليمان بوجه طلق، فأعطوه كتاب بلقيس، فنظر فيه وقال: أين الحقة؟ فأمر الأرضة فأخذت شعرة ونفذت بالدرة، وأخذت دودة بيضاء الخيط بفيها بثقب الخرزة المعوجة، ودعا بالماء فكانت الجارية تأخذ الماء بيده فتجعله في الأخرى ثم تضرب به وجهها، والغلام يأخذه بيده ويضرب به وجهه فميز بينهم. ثم رد الهدية، وقال للمنذر (ارجع إليهم) الآية. فقدمت إلى عند سليمان وأسلمت وتزوجها.
وفيه أيضاً، في تفسير قوله تعالى:(قال الذي عنده علم من الكتاب) أي ملك، أرسله الله عند قول العفريت (أنا أتيك به قبل أن تقوم من مقامك) الآية. أو جبرائيل أو الخضر، أو آصف بن برخيا كاتب سليمان. وهو الأصح وعليه الجمهور، وكان عنده الاسم الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وهو: يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، وقيل: يا إلهنا وإله كل شيء إلهاً واحداً لا إله إلا أنت. وذكر في كتاب "الأزهية في أحكام الأدعية" إنه: يا ذا الجلال والإكرام. وقيل: هو في سورة الإخلاص، وقيل آية الكرسي. وذكر في "المصابيح": عن بريدة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول: اللهم إني أسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، فقال صلى الله عليه وسلم:"دعا باسمه الأعظم، الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب".
وعن أسماء بنت يزيد، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين: (وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم) وفاتحة آل عمران (آلم، الله لا إله إلا هو الحي القيوم) .
وعن أنس رضي الله عنه قال كنت جالساً مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد ورجل يصلي فقال: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت الحنان المنان، بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم أسألك ...