للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن آيات مولده صلى الله عليه وسلم ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما أنه ولد مسروراً أي مقطوع السرة وعن أنس رضي الله عنه عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من كرامتي على ربي أن ولدت مختوناً، ولم ير أحد سوأتي" وعن عكرمة رضي الله عنه أن إبليس لعنه الله، لما ولد صلى الله عليه وسلم ورأى تساقط النجوم، قال: لقد ولد الليلة ولد يفسد علينا أمرنا، ثم أمر أولاده أن يأتوه بتربة، من كل أرض وهو يشمها فلما شم تربة تهامة: قال: من ههنا دهينا. وذكر في تفسير "ابن مخلد" رن إبليس أربع رنات، أي صوّت صوت كآبة وحزن، رنة حين لعن، ورنة حين أهبط، ورنة حين ولد النبي صلى الله عليه وسلم، ورنة حين نزلت الفاتحة عليه صلى الله تعالى عليه وسلم، وعن حسان بن ثابت رضي الله عنه أن يهودياً صاح في تلك الليلة على أطمة أي مكان عالٍ يا معشر اليهود، فأقبلوا عليه فقالوا: ما بالك؟ فقال طلع نجم أحمد الذي ولد هذه الليلة، وقيل: لما ولد صلى الله عليه وسلم لم يرضع لليلتين، قيل: أن عفريتاً من الجن وضع يده على فمه صلى الله عليه وسلم ولما رآه ذلك اليهودي خر مغشياً عليه، وقال: ذهبت النبوة من بني إسرائيل، أما والله ليسطون عليكم سطوة يخرج خبرها من المشرق والمغرب، وتزلزلت الكعبة ثلاثة أيام بلياليها، ولم تسكن حتى ولد صلى الله عليه وسلم وكان صلى الله عليه وسلم يناغي القمر في مهده ويحدثه. ويروى عن العباس رضي الله تعالى عنه قال: دعاني إلى الدخول في دينك رأيتك تناغي القمر فتشير إليه، بإصبعك فحيثما أشرت إليه مال، قال صلى الله عليه وسلم: "كنت أحدثه ويحدثني ويلهيني عن البكاء وأسمع وجبته، أي سقطته، حين يسجد تحت العرش" وروى البيهقي: أنه لما كان يوم السابع من ولادته، صلى الله عليه وسلم ذبح له جده، ودعا قريشاً فلما أكلوا قالوا: ما سميته؟ قال: محمدا. قالوا: لم رغبت عن أسماء أهل بيته؟ قال أردت أن يحمده الله في السماء وخلقه في الأرض.

وعن محمد الباقر رضي الله عنه قال: أمرت آمنة في المنام، وهي حامل برسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسميه أحمد. قال صلى الله عليه وسلم: "من ولد له مولود فسماه محمداً حباً لي وتبركاً باسمي كان هو ومولده في الجنة". وعن ابن عباس رضي الله عنهما: من ولد له ثلاثة أولاد فلم يسم أحدهم محمداً فقد جهل. وذكر في "شرح ذات الشفاء" أنه لما ولد صلى الله عليه وسلم سارت ثويبة مولاة أبي لهب فبشرته بولادة النبي المنتخب فأعتقها، ومما لا يجوز القول به لمخالفته القرآن الكريم قول من قال إنه يخفف العذاب عن أبي لهب كل يوم اثنين أو ليلته وأما الرؤيا التي ذكرت عن العباس أنه رأى فيها أبا لهب بالمنام فسأله عن حاله فقال له يخفف عني العذاب كل ليلة اثنين وأمص من بين أصابعي ماء مثل هذا وأشار إلى نقرة إبهامه وأن ذلك بإعتاقي لثويبة حين بشرتني بولادة محمد ابن أخي وبإرضاعها له فهذا لا يرد ما جاء في قوله تعالى عن الكفار في النار (فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون) سورة البقرة.

ولما ولد صلى الله عليه وسلم أرضعته أمه آمنة سبعة أيام، ثم أرضعته ثويبة الأسلمية مولاة أبي لهب وقيل: أرضعته أمه سبعة أشهر وأرضعته ثلاث أبكار من سليم يسمين العواتك، وضعت أثداءهن في فمه فدرت له قال صلى الله عليه وسلم: "أنا ابن العواتك من سليم" قيل: العاتكة: الملطخة بالطيب أو الطاهرة، ثم أرضعته أم فروة، ثم أرضعته أم أيمن بركة مولاة أبيه، ثم أرضعته خولة بنت المنذر، ثم أرضعته حليمة السعدية، وذكر في "الخصائص" لم ترضعه مرضعة إلا أسلمت، ولما بلغ من العمر صلى الله عليه وسلم ثمانية أشهر كان يتكلم بحيث يسمع كلامه، وفي تسعة أشهر تكلم بالكلام الفصيح، وفي عشرة كان يرمي مع الصبيان، وكانت أخته الشيماء ترقصه صلى الله عليه وسلم وتقول شعراً:

هذا أخي لم تلدهُ أمّي ... وليسَ من نسلِ أبي وعمّي

فديتهُ من مخولِ معمِّ

والشيماء أخته من الرضاع، وهي بنت حليمة السعدية سبيت يوم هوازن، فقالت لمن سباها أنا أخت صاحبكم، فحملوها إليه، فقالت يا رسول الله أنا أختك، قال: وما علامة ذلك؟ قالت: عضة منك في ظهري. فعرفها، فقام صلى الله عليه وسلم وبسط رداءه وأجلسها عليه، ودمعت لها عيناه وإلى هذا أشار صاحب الهمزية، بقوله شعراً:

<<  <   >  >>