وفي كتاب "الدر المكنون": أنه صلى الله عليه وسلم دخل بعائشة رضي الله عنها في شوال في السنة الثانية بعد وقعة بدر الكبرى، فإن غزوة بدر كانت في رمضان، ودخل بها صلى الله عليه وسلم وهي بنت تسع سنوات وروى البخاري عنى عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: "أريتك في النوم مرتين أرى ملكاً يحملك في سرقة أي: شقة حرير فيقول: هذه امرأتك، فأكشف فأراك، فأقول: إن كان [هذا] من عند الله فيمضه". ولم يتزوج رسول الله بكراً غيرها، وبعد أن نبي بها صلى الله عليه وسلم بأربعة أشهر ونصف، دخل علي رضي الله [عنه] بفاطمة، رضي الله عنها، وذكر في "شرح ذات الشفاء": أنه صلى الله عليه وسلم تزوجها قبل الهجرة بسنتين أو ثلاث بعد موت خديجة رضي الله عنها قبل سودة، وقيل: بعدها وهي بنت ست سنين أو سبع، وبنى عليها بالمدينة، وهي بنت تسع سنين وأصدقها أربعمائة درهم، وكان صلى الله عليه وسلم قد رأى صورتها في المنام في حريرة، ومكثت عنده تسع سنين، ومات عنها وهي بنت ثمان عشرة سنة، ولم يتزوج بكراً غيرها، وكانت أحب الناس إليه، قال عمرو بن العاص: قلت: يا رسول الله من أحب الناس إليك؟ قال:"عائشة". قلت: من الرجال؟ قال:"أبوها". قال عروة رضي الله [عنه] : ما رأيت أعلم بفقه ولا شعر ولا طب من عائشة رضي الله عنها. وكانت تكنى بأم عبد الله، وهو عبد الله بن أسماء أختها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كناها بأم عبد الله في حجة الوداع. ويقال: إنها أتت منه صلى الله عليه وسلم بسقط وسمي عبد الله. وقال الدمياطي: لم يثبت هذا. وفي "المعالم": قالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد السفر أقرع بين أزواجه أيتهن خرج سهمها خرج بها، ولما كانت غزوة بني المصطلق [في ال] سنة السادسة أقرع بيننا فخرج فيها سهمي، فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنت أحمل في هودج حتى إذا فرغ من غزوته وقفل، [و] دنونا من المدينة فقمت حين رحلوا وجاوزت الجيش فلما قضيت حاجتي عدت إلى رحلي فإذا عقد لي من جزع قد انقطع، فعدت ورأيته، وكان الرهط الذين يرحلونني احتملوا هودجي على بعيري ورحلوا يحسبون أني فيه، ولما وجدت عقدي عدت فلم أر أحداً فجلست ونمت وكان صفوان بن معطل قد عرس من وراء الجيش فأدلج، وأصبح عند منزلي. فعرفني فخمرت وجهي، والله ما كلمني بكلمة ولا سمعت غير استرجاعه، وأناخ ناقته فركبتها، وانطلق يقود زمامها حتى أتينا الجيش في الظهيرة، فهلك من هلك في شأني، وكان الذي تولى كبر الإفك عبد الله بن أبي [ابن] سلول. قالت: فقدمنا المدينة فاشتكيت شهراً والناس يفيضون بقول أصحاب الإفك ولا أعرف منه شيئاً، حتى نقهت فخرجت مع أم مسطح لقضاء حاجتي، وعدنا فعثرت أم مسطح [في مرطها] ، فقالت: تعس مسطح! فقلت لها: تسببن من شهد بدراً؟ فقالت: أو ما سمعت ما قال؟ وأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضاً على مرضي، ودخلت بيتي، ودخل علي صلى الله عليه وسلم فقلت له: أتأذن لي أن آتى أبوي؟ فأذن، فسرت إلى أمي، وقلت لها: ماذا يتحدث الناس؟ قالت: هوني عليك فوالله لقلما كانت امرأة وضيئة عند رجل يحبها [و] لها ضرائر إلا كثرن عليها، فقلت: أوقد تحدث الناس بهذا؟ فبكيت تلك الليلة وأصبحت لا يرقأ لي دمع، فدعا صلى الله عليه وسلم علياً وأسامة يستشيرهما في فراقي، فقال أسامة: أهلك ولا نعلم إلا خيراً. وقال علي: رضي الله عنه: لم يضيق الله عليك، والنساء كثيرة فأسأل الجارية تصدقك. فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بريرة فقال: أي بريرة! هل رأيت من شيء يربيك؟ قالت: والذي بعثك بالحق ما رأيت عليها أمراً قط أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله فقام صلى الله عليه وسلم وصعد المنبر وقال: "يا معشر المسلمين من [يعذرني من] رجل قد بلغني عنه أذاه في أهلي؟ والله ما علمت على أهلي إلا الخير". فقام سعد بن معاذ فقال: أنا يا رسول الله أعذرك، فإن كان من الأوس أضرب عنقه، وإن كان من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك. فقال له سيد الخزرج سعد بن عبادة: كذبت! لا تقتله ولا تقدر على قتله! فقام أسيد بن حضير وقال لسعد بن عبادة: كذبت أنت، لنقتلنه، وإنك منافق تجادل عنى المنافقين! فثارت الأوس والخزرج وهموا بالقتال ورسول الله على المنبر، ثم أسكتهم، فبكيت