للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كانت صاحبة عقل وكمال، وتجارب ومعرفة وكانت في زمن موسى عليه السلام ولما أغرق الله فرعون كان لها من العمر مائة وستين سنة، وذكر في كتاب "حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة": إنه لما أغرق الله فرعون في النيل هو وجنوده وأشراف أهل مصر وأكابرهم ووجوههم، كانوا أكثر من ألفي ألف فبقيت مصر خالية من الأشراف، ولم يبق بها إلا العبيد والأجراء والنساء، وصارت المرأة تعتق عبدها وتتزوجه، وتتزوج الأخرى أجيرها، فاجتمع أشراف من بمصر من النساء، وعقدت رأيهن على أن يولين عليهن دلوكة بنت الزباء، فملكوها عليهن فخافت أن يتناولها ملوك الأرض، فجمعت نساء الأشراف وقالت لهن: إن بلادنا لم يكن يطمع فيها أحد، وقد هلك أكابرنا وأشرافنا وذهب السحرة الذين كن نتقوى بهم، وقد رأيت أن أبني حصناً أحدق به جميع بلادنا، وأضع عليه المحارس، فبنت جداراً أحاطت على جميع أرض مصر كلها حتى المزارع والمدن والقرى، وجعلت دونه خليجاً يجري فيه الماء، وأقامت عليه القناطر، وجعلت فيه محارس ومسالح. على كل ثلاثة أميال محرس ومسلحة، وفيما بين ذلك محارس صغار، وجعلت في كل محرس رجالاً وأجرت عليهم الأرزاق، وأمرتهم أن يحرسوا بالأجراس، فإذا أتاهم أحد يخافونه ضربوا الأجراس من أية جهة كانت فيتحصنون، وفرغت من بنائه في ستة أشهر، وكان عندهم عجوز ساحرة اسمها تدورة، وكانت السحرة تعظمها وتقدمها في السحر، فأرسلت إليها دلوكة تقول: إنا قد احتجنا إلى سحرك فاعملي لنا شيئاً نغلب به من حولنا، فقد كان فرعون مع ملكه محتاجاً إليك، فقدمت إليهم وعملت بيتاً من حجارة في وسط مدينة منف، وجعلت له أربعة أبواب، وصورت فيه صور الخيل والبغال والحمير والسفن والرجال، وقالت لهم: هذا يغنيكم عن الحصن، فما أتاكم من أية جهة فتتحرك الصور من تلك الجهة يأتون منها، فما فعلتم بالصور من شيء أصاب العدو ذلك في أنفسهم، ولما بلغ الملوك ولاية النساء النساء طمعوا فيها، ولما دنوا منها، تحركت تلك الصور [التي في البيت] ، وأصاب ذلك الجيش الذي أقبل من قطع الرؤوس، وقلع العيون، وبقر البطون، فيعودون بالخيبة، وملكتهم دلوكة عشرين سنة حتى بلغ من أبناء أكابرهم رجل يقال له دركون بن بطلوس فملكوه عليهم.

<<  <   >  >>