أشار بهذا إلى صفة مسح الرأس الذي هو الفريضة الثالثة من الفرائض المذكورة في الآية الكريمة المجمع عليها بين أهل العلم، فذكر أنه يأخذ الماء بيده اليمنى ويفرغه على باطن يده اليسرى، ثم يرسله جميعا حتى لا يبقى فيهما إلا البلل، وإن شاء غمسهما في الماء، والأول أفضل عند ابن القاسم، والثاني أفضل عند مالك - رحمهما الله تعالى - كما نقله سيدي زروق - رحمه الله تعالى - ثم يمسح بهما رأسه، ويبدأ بمقدمه، قال المازري - رحمه الله تعالى -: لأنه قياس سائر الأعضاء، وقد جرى العمل بالبداية بأوائلها، وأول الفعل يجب أن يكون في أول العضو، مع ما جاء في صفة وضوئه صلى الله تعالى عليه وسلم، وحكم البدء بالمقدم الندب، وقيل الاستنان، نقله ابن ناجي عن ابن رشد، وهو وجيه مع حد السنة، قال المازري: وقد وسع في البداية بوسطه لقوله في حديث زيد بدأ بمقدم رأسه فأقبل بيديه وأدبر، اتباعا لظاهر هذا الحديث، وأول الرأس من المقدم: أول منابت شعر الرأس المعتاد، وظاهر الشيخ أنه لا يمسح معه شيئا من الوجه، والمشهور الوجوب، ولعله لم يرد ذلك لما سبق له في المرفقين، وإنما أراد بيان الرأس الواجب بالأصالة، خاصة مع ما ذكره من أنه يقرن أطراف أصابع يديه بعضها ببعض على رأسه، جاعلا إبهاميه على صدغيه، ثم يذهب بهما إلى طرف شعر رأسه مما يلي قفاه، ثم يردهما إلى حيث بدأ، ويمر إبهاميه خلف أذنيه، كما فعل أولا سائرا بهما إلى صدغيه، وإلى هذه الصفة الإشارة بالأبيات الثلاثة الأولى، وأخذ الماء لمسح الرأس بوجهيه لا خلاف في المذهب أنه لا بد منه كما قال المازري، قال: ولكنه إن لم يفعل ومسحه ببلل الماء الذي غسل به ذراعيه فإنه يتخرج على قولين في الوضوء بالماء الذي قد توضئ به، وقد احتج للإجزاء هنا بما روي أنه صلى الله تعالى عليه وسلم لم يستأنف الماء لمسح رأسه (١)
(١) رواه أبو داوود عن الرُّبَيِّع بنت مُعَوّذ بن عفراء وهو حديث حسن.