قال محمد بن رشد: هذا الاختلاف إنما هو اختلاف في الاختيار، وفي أي الأمرين أفضل، وإنما وقع من أجل أن رسول الله ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ قال:" لا صلاة بعد الفجر إلا ركعتي الفجر " وقال أيضا: " إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس " فتعارض الحديثان في الظاهر، وكل واحد منهما يحتمل أن يكون مخصصا لعموم صاحبه، احتمالا واحدا، ألا ترى أنه لو قال ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ لا صلاة بعد الفجر سوى ركعتي الفجر إلا لمن دخل المسجد لكان كلاما مستقيما، ولو قال أيضا من دخل المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس إلا أن يكون بعد الفجر وقد ركع ركعتي الفجر، لكان أيضا كلاما مستقيما، فلما لم يتحقق أي المعنيين أراد صلى الله تعالى عليه وسلم وقع الاختلاف المذكور، ووجه القول بأن الركوع أفضل هو أن الصلاة فعل بر فلا يقال إن تركها في هذا الوقت أفضل، إلا أن يتحقق النهي عن ذلك، ووجه القول بأن ترك الركوع أفضل هو أن النهي أقوى من الأمر لقول رسول الله ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ:" إذا نهيتكم عن شيء فانتهوا عنه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم " وأيضا فإن قوله ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ: " إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس " أولى بالتخصيص في هذا الموضع، إذ قد خصص في غيره من المواضع، وهي الأوقات المنهي عن الصلاة فيها، فيحمل هذا الموضع عليها، وهذا القول أظهر، واستحب من رأى الركوع أفضل لقول رسول الله ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ:" إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس " أن يركعهما بنية الإعادة لركعتي الفجر، رغبة في ما جاء فيهما من الثواب، والله تعالى أعلم.
واختلف هل الأفضل في ركعتي الفجر إيقاعهما بالمسجد أو بالبيت، قال ابن عرفة -رحمه الله تعالى -: الشيخ عن ابن حبيب: صلاتهما بالبيت أحب إلي، ابن محرز عن السليمانية: بالمسجد أحب إلي، لأن إظهار السنن خير.
قوله: ولا تنفل البيت، أشار به إلى أن النفل بعد طلوع الفجر منهي عنه حتى تطلع الشمس وترتفع قيد رمح، والنهي في ذلك نهي كراهة، إلا وقت طلوع الشمس فالنهي فيه نهي تحريم، وسيأتي الكلام على تفصيل ذلك في صلاة الجنازة وسجود التلاوة إن شاء الله سبحانه وتعالى.
والقيد -بكسر القاف - القدر، والرمح معروف، وفي بعض الأخبار " وتزول عنها الحمرة " وهو تفسير لذلك، وفسر بما بين كوكبي الفرغ، ولعله قائله احتاط كثيرا، وقد قيل إن حد ذلك من الدقائق اثنتا عشرة دقيقة، والله سبحانه وتعالى أعلم.