قوله: ويكره البنا البيت، معناه أن البناء على القبور مكروه، وكذلك تجصيصها، والتجصيص قال المازري - رحمه الله تعالى -: أن تبيض بالجير، أو التراب الأبيض، قال في التبصرة: كره مالك - رحمه الله تعالى - تجصيص القبور، لأن ذلك من المباهاة وزينة الحياة الدنيا، وتلك منازل الآخرة، وليس بموضع المباهاة، وإنما يزين الميت عمله، واختلف في تسنيمها والحجارة التي تبنى عليها، فكره ذلك مالك في المدونة، وقال ابن القاسم في العتبية: لا بأس بالحجر والعود، يعرف به الرجل قبر وليه، ما لم يكتب فيه، وقال أشهب في مدونته: تسنيم القبور أحب إلي، فإن رفع فلا بأس، يريد إن زيد على التسنيم، وقال محمد بن مسلمة: لا بأس بذلك، قال: وقبر النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - وأبي بكر وعمر - رضي الله تعالى عنهما - مسنمة، وهو أحسن، وفي البخاري ومسلم أن قبر النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - مسنم، وقال خارجة بن زيد في البخاري: رأيتني ونحن شبان في زمن عثمان - رضي الله تعالى عنه - وإن أشدنا وثبة، الذي يثِب قبر عثمان بن مظعون - رضي الله تعالى عنه - حتى يجاوزه، وهذا الذي أراد أشهب بقوله: إن رفع، ويمنع من بناء البيوت على الموتى لأن ذلك مباهاة، ولا يؤمن ما يكون فيها من فساد، وقيل لمحمد بن عبد الحكم - رحمه الله تعالى - في الرجل يوصي أن يبنى على قبره، فقال: لا، ولا كرامة، يريد بناء البيوت، ولا بأس بالحائط اليسير الارتفاع، ليكون حاجزا بين القبور، لئلا يختلط على الإنسان موتاه مع غيرهم، ليترحم عليهم، ويجمع إليهم غيرهم.