والمتجه في حد الجزء أنه الأوراق التي فيها ورد المتعلم من المصحف، وذلك أن الكتب لم تكن تحبك، وقد استثقل مالك - رحمه الله تعالى - تجزئة المصحف، ولهذا عبر ابن حبيب - رحمه الله تعالى - في الواضحة بالقراطيس، والقاعدة أن ما جاز للضرورة يقدر بقدرها، فلا ينبغي أن يزيد الكبير المتعلم على الجزء الذي يتعلم فيه، وما وقع لبعض المتأخرين من أن المراد بالجزء ما قابل الكامل فيه بعد، كما ذكره بعض الأئمة من أن وجه تخفيف مالك - رحمه الله تعالى - في الجزء احتمال إرادة المصحف الجامع في حديث منع مس القرآن لغير طاهر، فالقرآن لم يجمع إلا في عهد عثمان - رضي الله تعالى عنه - وإنما ذلك مثل ترخيصه للجنب في ما تدعو الضرورة لقراءته من تعوذ ونحوه، وامتناع إرادة الجميع في ذلك ظاهرة.
والفرق بين البالغ والصبي أن زمان الصبوة هو زمان التعلم، وأن الصبي غير تام الطهارة، لأن النية لا تصح منه، وقد نبه على ذلك القرطبي - رحمه الله تعالى - في تفسيره، مع عدم تحفظه على استصحاب الطهارة، فكان اشتراط اكتمال طهارته مع الحاجة الماسة إلى تعلمه حرجا، فخفف في أمره، والفرق بين الجنب والحائض عدم قدرتها على رفع حدثها مع طول الوقت، فخفف في أمرها خوف النسيان، والفرق بين الجنابة وحدث الوضوء أن موجبها لا يكاد يتكرر في الشهر نحو ما يتكرر موجبه في اليوم، مع اختصاصها بالبالغ، وأن حدث الوضوء أخف، ولذلك جازت معه قراءة القرآن ظاهرا، ودخول المسجد.
وأما ما ذكره ابن بشير - رحمه الله تعالى - فهو إن صح مراده به على غير ظاهره، ولذلك لم يستجده منه خليل، ولم يعرج عليه ابن عرفة، فما قيل من أنه طريقة مستبعد والله سبحانه وتعالى أعلم.
وقد كنت قلت: ...
ومس جزء حالة التعلم ... معْ حدث أصغرَ لم يحرَّم
لا فرق بين الطفل والكبير ... كذا المعلم على المشهور