للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأما الغموس فهي أن يحلف على وقوع أمر يعتقد جزما أو ظنا أنه لم يقع، أو يشك في وقوعه، ولا كفارة فيها، لما في الأحاديث من ترتب الإثم العظيم عليها بمجرد وقوعها، فظاهره عدم جريان التكفير فيها، وقد عدت في الحديث من الكبائر، (١) والأصل أنها لا تكفر إلا بالتوبة، كما في حديث: " كفارة لما بينهن ما لم تغش الكبائر " قال القاضي عبد الوهاب في الإشراف: لا كفارة في اليمين الغموس خلافا للشافعي لقوله سبحانه وتعالى: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان) فأخبر أن المؤاخذة بالكفارة لا تكون إلا في يمين منعقدة، والغموس وقعت محلولة غير منعقدة، بدليل أن المنعقدة ما أمكن حله، لأنه في مقابلة المحلول، والغموس واقعة على وجه واحد فلا يتصور ذلك فيها، وقوله سبحانه وتعالى: (واحفظوا أيمانكم) يريد مراعاتها ليؤدي الكفارة بالحنث فيها، وذلك يقتضي أن تكون اليمين مما يمكن حفظها ومراعاتها، بأن تعلق بما يتأتى به البر والحنث، وهو لا يتأتى في الغموس، ولأنها يمين لا يتأتى فيها بر ولا حنث، فلم تجب بها كفارة كاللغو، ولأن الكفارة معنى ترفع حكم اليمين فلم تتعلق بالحلف على الماضي كالاستثناء، ولأن معنى الحنث وقوع المحلوف عليه مخالفا لما حلف عليه، وذلك يقتضي بعد اليمين على وقوعه، ليصح وصفه إذا وقع بالحنث أو البر.

والحاصل أن اليمين إما أن تكون على ماض أو مستقبل، فالأولى لا كفارة فيها مطلقا وافق أو خالف، والثانية تجب فيها الكفارة إن لم يكن ما حلف عليه.

وهذا كله في اليمين بالله سبحانه وتعالى وما ألحق بها، وأما اليمين بالطلاق والعتق ونحوه فلازمة مطلقا إذا لم يكن ما حلف عليه.


(١) كما رواه البخاري من حديث عبد الله بن عمرو ـ رضي الله تعالى عنهما ـ والترمذي والدارمي.

<<  <   >  >>