ويستحب للأب استئمار البكر وعلى ذلك حمل الأمر به في الحديث عند الجمهور، وكذلك يستحب استئمار أمها، وقد روى الإمام أحمد بسند رجاله ثقات أن النبي ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ قال:" آمروا النساء في بناتهن ".
ويجوز للأب أيضا جبر الثيب الصغيرة للمعنى الذي أسلفنا من جواز تزويجها وكون إذن الصبي كالعدم، وتجبر الثيب الكبيرة إذا ظهر منها الفساد ولم يقدر الولي على صيانتها، أو لم يكن لها ولي يصونها قاله اللخمي، قال: واستحسن أن يرفع ذلك مع عدم الأب إلى حاكم، فيجتهد في من يزوجها منه، فإن زوجها ولي من غير حاكم مضى فعله عليها.
قوله: وغيره تزويجه البيت، معناه أنه ليس لغير الأب من الأولياء تزويج البكر حتى تبلغ وتأذن، وذلك لحديث " اليتيمة تستأمر " وقد علم بطلان تصرف الصبي، وللوصي الجبر إذا عين له الأب رجلا يزوجها له، لأن الأب هو الذي جبرها في الحقيقة، وإنما وكله على تولي العقد، واختلف إذا لم يعين له الزوج، قال اللخمي: المعروف من قول مالك - رحمه الله تعالى - أن للمقام إجبارها وإنكاحها ممن يراه حسن نظر لها قبل البلوغ وبعده، والأحسن قول عبد الوهاب أنه لا يجبرها، نقله في التاج.
وهذا ما لم تخش عليها الضيعة، قال مالك في صبية بنت عشر سنين في حاجة تتكفف الناس: لا بأس أن تزوج برضاها لمكان ما هي فيه من الخصاصة والكشفة، وهذا أحسن لتغليب أخف الضررين قاله اللخمي.
قوله: لكن صمتها البيت، معناه أن البكر التي تستأمر يكفي في إذنها صمتها وما في معناه مما يدل على رضاها، لما يلحقها من الحرج في التصريح.
وقد استثنى الأئمة من ذلك صورا لمعان تخصها، ولخروج الصورة النادرة، وهي ما إذا زوجت بمعيب ونحوه، قطعا لعذرها، أو عضلها وليها فزوجها الحاكم، أو تزوجت بعرض وهي من قوم لا يتزوجون بذلك، واستثنوا كذلك المرشدة لحصول المعنى الذي يظن أنه وجه اشتراط نطق الثيب فيها والله سبحانه وتعالى أعلم.